التيارات الفكرية في الخليج العربي 1938-1971

التيارات الفكرية في الخليج العربي 1938-1971

التيارات الفكرية في الخليج العربي 1938-1971 لـ مفيد الزيدي

My rating: 4 of 5 stars

اخترت هذا الكتاب بداية ضمن مراجع بحث أقوم به ، الميزة الأساسية له هو أنه رسالة دكتوراة ، أي مكتوب بطريقة بحثية تزوّد القارئ بالكثير الكثير من المراجع التي يمر عليه عبر وساطة هذا الكتاب ، بالإضافة إلى أنه مكتوب بمنهجية د.مفيد الزيدي الثمينة علمياً ، حيث يميل أسلوبه للتأريخ أكثر منه لنقد هذه التيارات وإن كان الكتاب لا يخلو من تسجيله لبعض آرائه الخاصة ( السديدة) في نظري.

تمثّل دراسة الفكر في المجتمعات أهمية خاصة من أجل فهم أعمق ووسع لطبيعة القوى الاجتماعية والبنى الاقتصادية ، والتركيبة الأساسية لهذه المجتمعات ولكي تكتمل الصورة الحقيقية لمراحل نموها وتطورها في مسيرة تكويناتها التاريخية فلا يمكن للفكر أن ينعزل عن حركة المجتمع… وتأسيساً على ذلك تهتم هذه الدراسة بواقع الفكر في الخليج العربي وتياراته الفاعلة منذ نشوء الحركات الإصلاحية في الثلث الأول من القرن العشرين حتى مرحلة الاستقلال في مطلع السبعينات…

إن اختيار د.مفيد للفترة الزمنية للبحث هو اختيار ذهبي فعلاً ، ففي تلك الفترة شهدت دول الخليج العربي الكثير من التطورات التي ساهمت في تشكيل التيارات الفكرية مثل توسّع اكتشاف النفط ، الوجود الأجنبي (البريطاني والأمريكي) ، احتلال فلسطين ، نكسة 67 ، بدايات الاستقلال من الوجود الأجنبي في دول الخليج ، حركات التبشير ، انتشار التعليم.. وغيرها من الأحدات التي لم نزل نتلمّس آثارها في التوجّهات الفكرية المعاصرة.
تناول في نحو 389 صفحة البحث هذه التيارات:

التيار الليبرالي ، التيار القومي ، التيار الإسلامي ، التيار الماركسي ، متحدثاً عن نشأة كل تيار وتطوره وتنظيماته وقضاياه، مسبقاً كل ذلك بالحديث عن الجو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الذي تولّدت فيه أو عنه هذه التيارات.

الكتاب تأسيسي يفترض أن يكون من أوائل الكتب التي يقرأها أي مهتم بالتيارات الفكرية ، وإن تأخرتم – مثلي – في قراءته فيسيكون مفيداً في تنظيم المعلومات التي قرأتموها في مصادر مختلفة تنظيماً تاريخياً بالإضافة إلى إثراءكم بالمزيد من المراجع كما أسلفت وكنت أرجو ألا يحرم الدكتور مفيد قراءه من المزيد من آرائه النقدية تجاه التيارات ، كما أنني رغبت لو فرّق بين التيارات ذات الطابع والهدف الحركي (السياسي /المسلّح) وبين التيارات الفكرية المجردة من ذلك لأنه كثيراً ما يخلط المهتمين وحتى المؤلفين بينهما.

تحميل الكتاب.

أتمنى لكم قراءة ممتعة وقيمة يا رفاق

(رأيت رام الله): رواية الطرف النازف (أولاً) !

من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة:
ابدأ حكايتك من : … ثانياً!

رأيت رام الله

*رأيت رام الله لـ مريد البرغوثي

تقيمي: 5 of 5 stars

كعربي، كفلسطيني… حيادك مضروب تحت الحزام ومترنّح عندما تريد الحديث عن (القضية!)
والعالم لا يصغي إلى حكايا شهدائك ، ونزفهم ، وأحلامهم المشتتة في الأرض ، وفي الأرض الأخرى التي لم تعد أرضهم تماماً.بالقدر الذي يصغي فيه إلى قصص الهولوكوست.
إنه -ربما- يتعاطف معك ، لكنه يبكي مع الآخرين…

إذا كنتم مثلي تعانون من ردة فعل عدائية تجاه نشرات الأخبار المتعلقة بفلسطين والمفاوضات والمعاهدات، وردة فعل ساخرة حدّ الملل من البيانات شديدة اللهجة! فقراءة رواية :رأيت رام الله ، تشعركم أنكم لستم بعيدين حقاً …إنّكم في قلب النزف ، وعلى فوّهة البارود إلى الحد الذي يجعلكم تستطيعون شمّ رائحته.

1967م ، هذه النكسة التي ورثناها ، ولا نبالي في توريثها للمزيد من الأجيال القادمة ، إننا كعرب نتعامل مع الأمر برفاهية إذا ما قورنا بفلسطيني يستلزم منه إصدار إذن بالدخول إلى ( وطنه / وطنهم ).

بصدق صرت أخجل من الشعور بالألم تجاه القضية ، رغم أن مريد البرغوثي يؤكد مراراً في روايته أن ذلك ليس هو الألم الوحيد وليس هو الألم الأعظم ، وأن كثيرون لديهم آلالاماً تريد من يرويها…رغم ذلك لا أتفادى الشعور بالخجل، وربما الغيرة!
الغيرة؟
هذا ما أسميه بالألم الذي نتمناه!
وهذا لا يعني حرفياً أن يكون لدينا وطن مسروق ، أو أن نفقد رزمة من الأحباب ونسميهم شهداء…لا يعني أن نرغب في الاغتراب عن الوطن الذي ربما لم نحصل عليه بعد …بل يعني ببساطة أن يكون لديك ألم يستحق أن تتحدث عنه… يستحق أن يدفع الآخرون أوقاتهم..مشاعرهم…ذاكرتهم ليصغوا إليك ، لا ليتعاطفوا معك بالتأكيد بل لتمنحهم فرصة تمني ذلك الألم.

أكاد استغفر على كل لحظة مكثت فيها هذه الرواية على مكتبي دون أن اقرأها …
صدقوني مريد البرغوثي لن يخذلكم.

أما سئمتَ ارتحالاً أيها السّاري!


بقيت كلمة تقتضي الأمانة التاريخية أن أقولها: لا أدعي أني قلت – هنا- الحقيقية (كاملة) ولكني أرجو أن كل ما قلته هنا ..حقيقة!

كانت تلك هي الكلمات التي قرأتها وجعلتني أحترم الرّجل الذي قالها ، قرأتها في بدايات مرحلة العنفوان الشبابي ، فبين روايات الغزل المطبوعة للمراهقين كان لدي كتاب جاد واحد هو ” حياة في الإدراة ” لـ د.غازي القصيبي رحمه الله.

غازي ، اسم لم يعد علماً على شخص ، بل على همّ وطن احتمله رجل سفيراً خارج بلده ، ووزيراً داخلها ، غازي الذي كان يقول لنفسه قبل الآخرين: إنني اخطأت! بكل نزاهة ليجهض فرحة المتربّصين بالناجحين ، وعندما ينجح ويُنجز فهو ينام ملء جفونه ويسهر الناس جراء نجاحاته ويختصموا.

غازي ، المثقف السعودي الذي عاصر أطوار الثقافة السعودية من بواكيرها ، وصنع لها أطواراً أخرى ، وأثرى المكتبة الثقافية العربية بمؤلفاته الأدبية وترجماته ، والتي تحمل شتى رؤاه الفكرية وتطوراته الثقافية بشكل يستحق التأمل والاستلهام ، إنّك لست بحاجة أن تتفق مع شخص في كل التفاصيل ليكسب احترامك وإعجابك ، ويكفي جداً أن تلحظ جدّه وتفانيه في خدمة أهدافه وأهداف وطنه لتحترمه وتُعجب به ، وهكذا كان غازي.

حسناً ماذا لدى الوطن هذه المرة؟ اسم شارع؟ مدرسة؟ درع يُسلّم للورثة؟ اسم مسابقة؟ …إن الرجل الذي يحمل الهمّ لا يفكر في رفع اسمه على إعلان ، غازي الرجل الإنسان المثقل جداً بالواجب يريدنا أن نرثيه بحمل همّه ودعم رسالته ، قراءة كتبه ، تعليمها ، نقدها . لقد سبق مجتمعه في وعيه وخططه الإنمائية فلم يستطع الأفراد استيعابها في حينها، فرثاؤه في الأجيال القادمة أن يحملوا استشرافاته تلك ، ويستنيروا بها  ، كما قال:

لا تتبعيني ، دعيني! واقرأي كتبي     فبين أوراقها تلقــاكِ أخباري.

غازي ، رحيلك هو الرحيل! ، وإذ تبدو حرارة الدمع أقلّ من لمّ الحزن ، فالسكون أبلغ ، والدعاء لك أوسع ، فيارب النبلاء أجزه عن نفسه وأهله وأحبابه ووطنه خير الجزاء ، برحمتكَ التي سبقت كل شيء اشمله بعفوك، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

إيزابيل أللندي و صراعُ أنثى … (رواية باولا)

وكان لا بدّ من مرور أربعين سنة قبل أن أتقبّل وضعي وأدرك أنه بإمكاني التوصل أحياناً إلى ما يحصل عليه الرجال إذا ما بذلتُ ضعف المجهود ونلت نصف الاعتراف ، وإنني اليوم غير مستعدة لاستبدال شخصيتي بأيّ واحدٍ منهم، ولكنّ المظالم اليومية كانت تملأ حياتي بالمرارة في شبابي

وهكذا أؤمن كل مرة أن كل امرأة تستحق اعتذاراً لبقاً وغير مبرر من كل رجل عبر في تاريخها ، علّ التاريخ بمجمله يصل إلى توازن فريد مقابل عصور الطغيان الذكوري التي لم تنته بعد ، بعيداً عن الإشكالات الفكرية/الاجتماعية التي تحملها هذه القضية ، قرأت مؤخراً رواية باولا ، لإيزابيل المرأة التي تحمل قضية المرأة ، وهذه قراءتي لها من موقع القودريدز:

باولا

باولا by Isabel Allende

My rating: 3 of 5 stars

هل يبدو مشوّقاً الإصغاء لامرأة تحكي حياة الأشخاص،الأشياء من حولها
وحياتها أيضاً؟

بالنسبة لي لا ، بالرغم من أنني من ذات الجنس إلا أنني إلى الآن لا أشعر بأريحية تجاه أي امرأة تسرد قصصاً واقعية تخصها بإسهاب.

إيزابيل هاهنا تقوم بذات الدور وأحببته منها، لا أسلّم بتصنيف هذا الكتاب كرواية إلا أن مساحة الاستطراد التخيلية التي تبثها إيزابيل ترشّحه لذلك
إيزابيل كاتبة وليست أديبة … في هذا الكتاب
روح شخصية المرأة الثورية ذات القضية تستفرد بالعمل هذا بقوة تنمحي معها حضور أي شخصية أدبية
كم كمية النزاهة والشجاعة وربما الجنون نحتاجها لنشر غسيلنا على حبال العالم؟
أيّاً كان القدر اللازم إلا أن إيزابيل قد حازت نصيباً وافراً منه ، وكنت أجدها في محكّات كثيرة تستحق الوقوف دهشة لا إعجاباً فحسب على ما تبثه من صور التجلي مع الذات
لا أنكر أن لإيزابيل حيلة مكشوفة في الاعتراف بخطاياها لتُسكت بها الرغبة في التواري وعدم البوح وربما الخجل، هي حيلة المبالغة والسخرية.
إن الآخرين لا يعرفون عنك سراً تخجل منه في حالتين:
عندما تحجم عن ذكره تماماً.
وعندما تذكره بطريقة ساخرة وبإيحاء مبالغ فيه بحيث يبدو صعب التصديق.
وأعتقد أن الطريقة الثانية هي التي استندت عليها إيزابيل لتستطيع من خلالها أن تتجلى شخصيتها الصريحة جداً والصادقة جداً ، ما أنا متأكدة منه هو أنها لا تخطط لذلك ، هذا جزء منها ومن طبيعتها التي لا يمكنها أن تنفصل عنها

أحببت الأجزاء التي كانت تتحدث فيها من أعماق ذاتها ، تصف شعورها ، تلخّص حياتها ، تفلسف تجاربها ، وتثري بذلك دفتر الاقتباسات لدي.
كان ذلك هو الجزء الأقل في مجمل سياقات كتابها، أما الجزء الأكبر فكان للصورة والخيال التصوري ، لذلك صرت أرغب في مشاهدة عمل مسرحي لها، فهذا بالضبط ما تكتب إيزابيل على مقاسه.

أحببت الابنة باولا جداً، وشعرت أنها تستحق كتاباً آخراً يُكتب عنها وليس إليها.

_______________________

*هامش:

كل عام وأنتم بخير

شوكولاته …ضد التطرف!

“العداء الديني والتعصب الأعمى كانا أسوأ قائد للشعوب ، حرماها من الحياة والازدهار”
*زيغريد هونكه

لو أن معالجة التطرف بسهولة تناول قطعة شكولاته أو على الأقل بحلاوتها ، لنزلت الجنة هاهنا إلينا : ).

فلم Chocolat ، 2000 : شاهدته من فترة طويلة لكنه لا يزال يلهمني لذا أكتب عنه وكأنه عُرض اليوم.

Juliette Binoche

السيدة/الآنسة فيان (Juliette)وابنتها ، اللتان تجولان القرى ، يستقر الحال بهم أخيراً إلى قرية فرنسية متدينة وربما متطرفة ، فيان المدعوة بالمُلحدة سيكون عليها أن تواجه صراعاً إجتماعياً-دينياً …بسلاح الشكولاته! وهو محلّها الذي تفتتحه -مصادفةً- في وقت الصيام الديني لهذه القرية.
تبدأ مقدمة الفلم بـ :

If you lived in this village
You understood what was (expected!) of you

and through all…You knew your place in the scheme of things.
And if you happened to forget, someone would help remind you
!

وهكذا ببساطة تكون ضمن “القطيع”!

تواجه فيان تحديات الاتهام والقذف الأخلاقي لذاتها ، وحتى لمذاق الشكولاته الذي تصنعه.
هذا المذاق ، هو الرمز الفني الجميل الذي استخدم لإيصال الفكرة
. الفلم يضع (الإلحاد) كرسالة إنقاذ من التطرف و (خرافاته) ، رغم أن صاحبة الرسالة أيضاً تتعلق بكثير من الرموز المتخيلة (الخرافية!)، يتضح ذلك في رمزية التماثيل التي تحملها واعتمادها المبالغ فيه على الحدس.

فيان، على عكس السائد في القرية المتطرفة ، تحمل روح تسامح مشاعة لكل أحد حتى للقراصنة، الذين ربما يحملون لها الحب! رغم أنهم منبوذون من أهل القرية الذين يمارسون دور الصالحين (فقط لأن ذلك مطلوب منهم ).

عندما تشاهدونه ستتداعى أمامكم قصص من حولكم (ربما مشابهة!) لهذا الزخم الديني المتطرف.
مشاهدة ممتعة.

ثبات اليقينيات.

http://bit.ly/b3valL

إن الحديث عن منطقة “اليقين” في تصديقاتنا أو أحكامنا يكاد يكون منتشراً ومكروراً، خاصة فيما يتعلق باليقينيات الشرعية النابعة عن نصوص الوحي، بيد أنني هنا لا أتحدث عن هذه النقطة، فحسب بل أتناول كل ما يتعلق بمنطقة اليقين من الأفكار، مثلاً: هل أنتَ موقنٌ من أن الأرض تدور حول نفسها؟ حسناً هذا ما قاله المنهج المدرسي، لكننا لو وقفنا في مناظرة علمية فإن نحو 90% من “الموقنين” بهذه الفكرة لن يكونوا قادرين على صياغة برهان كامل واحد لصالح فكرة آمنوا بها طويلاً، وربما رفضوا التفكير خارج إطارها، هذا المثال في هذه الفكرة المتعلقة بطبيعة الكون يمكن سحبه على أفكارنا الأخرى تجاه الأفكار ذاتها والنظريات، والأشخاص، وتفسير الأشياء من حولنا.

مساحة اليقين:

لو تخيلنا مخزن الأفكار كدائرة فإن اليقينيات يجب ألاّ تتجاوز نقطة أو دائرة المنتصف الأضيق، لماذا هذا التحديد الكمّي؟ إن العناية دائماً تتوجّه إلى الكيف لا إلى الكم هذا صحيح، لكن فيما يتعلق بالأفكار فإن الاتساع الكمّي لمنطقة اليقينيات و “المسلّمات” يحيلها إلى منطقة مهزوزة وعبثية؛ فهذا الاتساع يدلّ بشكل أكيد إلى خلل جلل في ترشيح الأفكار أو “فلترتها!”.

إنّ الشخص الذي يتحدث عن أي فكرة هامشية على أنها فكرة “مُسلّمة و يقينية” لا يقبل الجدل حولها هو بالتأكيد يعبث بمعنى اليقين عنده، فأفكاره”اليقينية!” ليست قائمة على أساس راسخ، لذلك فإنها ضعيفة وهشة ومعرضة للتهافت عند أول مقابلة لرأي مخالف عنها.

الأشخاص من هذا النوع تجدهم حماسيّون ومنفعلون تجاه أي محاولة لطرح أسئلة حول يقينياتهم؛ لأنهم ببساطة لا يعرفون لماذا آمنوا بها إلى هذه الدرجة؟! ويخافون أن يصبحوا فجأة بلا يقين ولا أفكار؛ لذلك يحاولون “تهويل” أي جدال علمي حول الأفكار، ويتهمونه بأنه يهدف لهدم ثوابتهم ومسلماتهم، وهم لا يعلمون أن هذا الهدم المزعوم إنما هو بسبب “هشاشة” إيمانهم لا بسبب عتوّ الآخرين وأفكارهم الأقوى!والبقاء دائماً للبرهان. فهؤلاء لا يجنون غير أرباح ذاتية تُسعد أهواءهم المجوّفة وألقاباً حركية مثيرة لا تطابق واقعهم شيئاً، وهم بذلك يظلمون أفكارهم التي ربما كانت صحيحة، لكنها لم تجد من يحترمها بدلاً من أن يطبل لها! فالأفكار تريد أن تبني لا أن ترقص، على العكس فإن الأشخاص الذين يحافظون على مساحة ضيقة من اليقينيات يكونون أكثر مسؤولية تجاه إيمانهم؛ فليس كل فكرة يسمعونها من خطيب أو يقرؤونها في صحيفة يمكن لها أن تعبر بسهولة إلى يقينهم، كما أنهم يملكون شجاعة أدبية لمناقشة الأفكار التي آمنوا بها؛ لأنهم يملكون البراهين الكافية لرسوخها في أنفسهم، بل إن هذه المناقشات العلمية مع المختلفين عنهم تصقل أفكارهم وإيمانياتهم أكثر، وتساعدهم على تمرير رسائلهم الفكرية للآخرين بطريقة علمية محترمة، وأفكارهم في النهاية هي التي ستحرز أتباعاً مؤمنين واعين يعمرون بها الأرض. أما الكارثة الحقيقية فهي أن يتم التعامل مع الحقائق الشرعية وفق الرؤية العبثية لليقينيات.

ألا تسمعون عن شخص استقام أو ما يُسمّى عُرفاً “التزم!” وبنى دينه وتقواه وخوفه ورجاءه من الله على قصة وهمية من أحد الوعاظ المدلّسين، أو على تفسير خاطئ لنصٍ وافق هواه، هذا الشخص نفسه يتمحور يقينه الشرعي “الهشّ” حول تلك القصة التي سمعها في شريط ما –مثلاً-، دون أن يطورّ يقينه بالعلم الشرعي الصحيح، تراه بعد مدة اكتنى بكنية لها وهج ديني، ثم يُقدّم للصلاة فيظن نفسه إمام المؤمنين، ثم بعد مدة تراه يجادل في الشبكات، وينافح في وجه كل من يقف ضد القصة، أو التفسير الخاطئ للنصوص أي: المنهج الوهمي الذي سلكه، ويتهمه بأنه عدو للدين وخائضٌ في “الثوابت الدينية!!”، دون أن يدرك أنها ثوابته هو لا ثوابت الدين، فأين هو عمّن ارتقى بإيمانه عبر تدبر القرآن آناء الليل وأطراف النهار ودراسة أسماء الله وصفاته ونحو ذلك؟!

وهكذا فإن جعل منطقة اليقينيات منطقة متأثرة (لا مؤثرة!) فتتقلّص ببرودة وجمود الفكر، وتتمدّد جداً بحرارة الأفكار الواردة ومدى وهج صيتها لا برهانها وحقيقتها، هذه الممارسة مع اليقينيات كفيلة بإسقاطها عاجلاً أو آجلاً، إسقاطاً غير مثمر، بخلاف الإسقاط المثمر الذي سأتحدث عنه في مقال تالٍ -إن شاء الله-.

Continue reading

تقاويم جدارية إبداعية

إذا كان كل ما يتبادر للذهن التفكير فيه عند شراء تقويم سنوي جداري هو الحجم ، الشكل ، وأحياناً توفر مساحة لكتابة الملاحظات، مع تعليم على الأيام العالمية المهمة،
فهناك طريقة أخرى للتفكير والتنفيذ.

أثناء تصفحي لموقع مارثا ستيوارت المُلهم، وجدت هذا التصميم الجداري ، وطريقة تنفيذه  هنا ، أعتقد أن فكرة (الشخبطة ) على الجدارن فكرة محببة ، ومن الجيد أن نجد مبرراً لممارستها .

البعض الآخر فكر في القيمة الصحية فكان هذا التصميم:

Continue reading

لم أعد أؤمن 2 (مزلق الأوهام).

كنت قد تحدثت في المقال التقديمي السابق (لم أعد أؤمن) عن خط سيرٍ دائري نقود به أفكارنا بالنسبة لإيماننا بها، وهذا يشمل الأفكار من حيث هي أفكار بغض النظر عن تصنيفاتها، هذه الدائرة (دائرة الإيمان/الجحود) تنطلق بالفكرة من نقطة الشك إلى الوهم إلى الظن إلى اليقين، ثم يعود هذا اليقين متزعزعاً عبر الظن الثاني، فالوهم الثاني، فالشك الثاني، وهذا الشك بحد ذاته إنهيار لليقين، والذي قد ينتقل إلى الجحود وهي نقطة (لم أعد أؤمن)، الفكرة لا تنتقل اعتباطاً عبر هذه المراحل بل عبر منهجية عقلية سواء تعمدها الإنسان أو لا، وهذا هو الفارق الحقيقي بين إنسان مفكّر وآخر، وهو “الوعي” بأفكاره وتطوراتها.

مع الشك:

إذا علمنا أن الشك هو تساوي طرفي الإيجاب والسلب، أو تساوي درجتي الإيمان والكفر، فإن الفكرة تمر بمرحلة الشكّ مرتين (وفق الدائرة السابقة): المرة الأولى هي التي أقصدها هنا، وهي بسبب عدم وجود الفكرة في الذهن، وإن وجدت خارجة عنه، وهو الذي لا يكون معه أي معرفة بدلائل ثبوت الفكرة أو نفيها، ودرجتا الإيمان والكفر فيها هي درجة صفرية، فإن العقل السليم لا يسلّم بفكرة غير موجودة بتمامها في ذهنه ومعروف أن الحكم (الصحيح!) على الشيء فرعٌ عن التصوّر (الصحيح التام!) له، وهنا ترون أنني أساوي تماماً بين عدم وجود الفكرة في الذهن أصلاً وبين عدم تصورها بشكل صحيح وتام؛ فإن الأمر إذا لم يكن موجوداً على حقيقته في أذهاننا فهو غير موجود حكماً؛ فالفكرة إذن عند الشك بها شَكّاً أولياً تُتصوّر في ثلاث صور: عدميتها، تصوّرها بشكل خاطئ، تصوّرها بشكل ناقص. ودعونا نقف بإيجاز مع كل صورة:

http://bit.ly/dnP56x

عدمية الأفكار:

تصوّروا كم يمكن أن نخسر لو توقف عقل الإنسان عن إنتاج المزيد من الأفكار؟ سيتثلج التاريخ! ويجمد كل شيء ولن يتحرك سوى الزمن! غير أن هذه النتيجة تحدث فعلاً عند البعض على الرغم من استمرار الإنسان في إنتاج الأفكار وذلك لأنهم لا يفيدون من إنتاج غيرهم، ولا ينفتحون على عقول الآخرين، والأهم هم لا يهتمون بإنتاج الأفكار لأنفسهم ولغيرهم، هذا جليّ جداً في الأشخاص غير المستقلين والخاملين فكرياً، والأسوأ عندما لا يكتفي الإنسان بعدميّته فكرياً، بل يسلّم عقله لغيره، ويظل يمنح الآخرين تصاريح الانتفاع (الكمّي!) من عقله.

إنّ العقل آلة لا بد من تدريبها على إنتاج الأفكار ببحث المشكلات –مثلاً- وتلمّس حلولها، أو بتطوير حلول سابقة أو تغييرها وتبديلها. إن السؤال (لماذا) وحده – مثلاً- يفتح لنا أفقاً واسعاً من التأمّل، وكما أقول دائماً: لا تسأل عن الأشياء: لماذا هي كذلك فحسب، بل اسأل: ماذا لو لم تكن كذلك؟، إنّ التساؤل الدائم يمرّن العقل على بحث الأفكار وإنتاجها دون أن يكون هذا التساؤل منغلقاً على ذاته؛ فالانفتاح الذهني تجاه الأفكار و “أصحابها!” عامل أهم في تكوين المزيد من الأفكار.

Continue reading