من هنا يا رفاق : )
توظيف التناقضات …
“تمثّل دراسة الفكر في المجتمعات أهمية خاصة من أجل فهم أعمق ووسع لطبيعة القوى الاجتماعية والبنى الاقتصادية ، والتركيبة الأساسية لهذه المجتمعات ولكي تكتمل الصورة الحقيقية لمراحل نموها وتطورها في مسيرة تكويناتها التاريخية فلا يمكن للفكر أن ينعزل عن حركة المجتمع… وتأسيساً على ذلك تهتم هذه الدراسة بواقع الفكر في الخليج العربي وتياراته الفاعلة منذ نشوء الحركات الإصلاحية في الثلث الأول من القرن العشرين حتى مرحلة الاستقلال في مطلع السبعينات…“
“ من السهل طمس الحقيقة بحيلة لغوية بسيطة:
ابدأ حكايتك من : … ثانياً! “
“وكان لا بدّ من مرور أربعين سنة قبل أن أتقبّل وضعي وأدرك أنه بإمكاني التوصل أحياناً إلى ما يحصل عليه الرجال إذا ما بذلتُ ضعف المجهود ونلت نصف الاعتراف ، وإنني اليوم غير مستعدة لاستبدال شخصيتي بأيّ واحدٍ منهم، ولكنّ المظالم اليومية كانت تملأ حياتي بالمرارة في شبابي“
My rating: 3 of 5 stars
_______________________
“العداء الديني والتعصب الأعمى كانا أسوأ قائد للشعوب ، حرماها من الحياة والازدهار”
*زيغريد هونكه
If you lived in this village
You understood what was (expected!) of you…and through all…You knew your place in the scheme of things.
And if you happened to forget, someone would help remind you!
تواجه فيان تحديات الاتهام والقذف الأخلاقي لذاتها ، وحتى لمذاق الشكولاته الذي تصنعه.
هذا المذاق ، هو الرمز الفني الجميل الذي استخدم لإيصال الفكرة. الفلم يضع (الإلحاد) كرسالة إنقاذ من التطرف و (خرافاته) ، رغم أن صاحبة الرسالة أيضاً تتعلق بكثير من الرموز المتخيلة (الخرافية!)، يتضح ذلك في رمزية التماثيل التي تحملها واعتمادها المبالغ فيه على الحدس.
عندما تشاهدونه ستتداعى أمامكم قصص من حولكم (ربما مشابهة!) لهذا الزخم الديني المتطرف.
مشاهدة ممتعة.
إن الحديث عن منطقة “اليقين” في تصديقاتنا أو أحكامنا يكاد يكون منتشراً ومكروراً، خاصة فيما يتعلق باليقينيات الشرعية النابعة عن نصوص الوحي، بيد أنني هنا لا أتحدث عن هذه النقطة، فحسب بل أتناول كل ما يتعلق بمنطقة اليقين من الأفكار، مثلاً: هل أنتَ موقنٌ من أن الأرض تدور حول نفسها؟ حسناً هذا ما قاله المنهج المدرسي، لكننا لو وقفنا في مناظرة علمية فإن نحو 90% من “الموقنين” بهذه الفكرة لن يكونوا قادرين على صياغة برهان كامل واحد لصالح فكرة آمنوا بها طويلاً، وربما رفضوا التفكير خارج إطارها، هذا المثال في هذه الفكرة المتعلقة بطبيعة الكون يمكن سحبه على أفكارنا الأخرى تجاه الأفكار ذاتها والنظريات، والأشخاص، وتفسير الأشياء من حولنا.
مساحة اليقين:
لو تخيلنا مخزن الأفكار كدائرة فإن اليقينيات يجب ألاّ تتجاوز نقطة أو دائرة المنتصف الأضيق، لماذا هذا التحديد الكمّي؟ إن العناية دائماً تتوجّه إلى الكيف لا إلى الكم هذا صحيح، لكن فيما يتعلق بالأفكار فإن الاتساع الكمّي لمنطقة اليقينيات و “المسلّمات” يحيلها إلى منطقة مهزوزة وعبثية؛ فهذا الاتساع يدلّ بشكل أكيد إلى خلل جلل في ترشيح الأفكار أو “فلترتها!”.
إنّ الشخص الذي يتحدث عن أي فكرة هامشية على أنها فكرة “مُسلّمة و يقينية” لا يقبل الجدل حولها هو بالتأكيد يعبث بمعنى اليقين عنده، فأفكاره”اليقينية!” ليست قائمة على أساس راسخ، لذلك فإنها ضعيفة وهشة ومعرضة للتهافت عند أول مقابلة لرأي مخالف عنها.
الأشخاص من هذا النوع تجدهم حماسيّون ومنفعلون تجاه أي محاولة لطرح أسئلة حول يقينياتهم؛ لأنهم ببساطة لا يعرفون لماذا آمنوا بها إلى هذه الدرجة؟! ويخافون أن يصبحوا فجأة بلا يقين ولا أفكار؛ لذلك يحاولون “تهويل” أي جدال علمي حول الأفكار، ويتهمونه بأنه يهدف لهدم ثوابتهم ومسلماتهم، وهم لا يعلمون أن هذا الهدم المزعوم إنما هو بسبب “هشاشة” إيمانهم لا بسبب عتوّ الآخرين وأفكارهم الأقوى!والبقاء دائماً للبرهان. فهؤلاء لا يجنون غير أرباح ذاتية تُسعد أهواءهم المجوّفة وألقاباً حركية مثيرة لا تطابق واقعهم شيئاً، وهم بذلك يظلمون أفكارهم التي ربما كانت صحيحة، لكنها لم تجد من يحترمها بدلاً من أن يطبل لها! فالأفكار تريد أن تبني لا أن ترقص، على العكس فإن الأشخاص الذين يحافظون على مساحة ضيقة من اليقينيات يكونون أكثر مسؤولية تجاه إيمانهم؛ فليس كل فكرة يسمعونها من خطيب أو يقرؤونها في صحيفة يمكن لها أن تعبر بسهولة إلى يقينهم، كما أنهم يملكون شجاعة أدبية لمناقشة الأفكار التي آمنوا بها؛ لأنهم يملكون البراهين الكافية لرسوخها في أنفسهم، بل إن هذه المناقشات العلمية مع المختلفين عنهم تصقل أفكارهم وإيمانياتهم أكثر، وتساعدهم على تمرير رسائلهم الفكرية للآخرين بطريقة علمية محترمة، وأفكارهم في النهاية هي التي ستحرز أتباعاً مؤمنين واعين يعمرون بها الأرض. أما الكارثة الحقيقية فهي أن يتم التعامل مع الحقائق الشرعية وفق الرؤية العبثية لليقينيات.
ألا تسمعون عن شخص استقام أو ما يُسمّى عُرفاً “التزم!” وبنى دينه وتقواه وخوفه ورجاءه من الله على قصة وهمية من أحد الوعاظ المدلّسين، أو على تفسير خاطئ لنصٍ وافق هواه، هذا الشخص نفسه يتمحور يقينه الشرعي “الهشّ” حول تلك القصة التي سمعها في شريط ما –مثلاً-، دون أن يطورّ يقينه بالعلم الشرعي الصحيح، تراه بعد مدة اكتنى بكنية لها وهج ديني، ثم يُقدّم للصلاة فيظن نفسه إمام المؤمنين، ثم بعد مدة تراه يجادل في الشبكات، وينافح في وجه كل من يقف ضد القصة، أو التفسير الخاطئ للنصوص أي: المنهج الوهمي الذي سلكه، ويتهمه بأنه عدو للدين وخائضٌ في “الثوابت الدينية!!”، دون أن يدرك أنها ثوابته هو لا ثوابت الدين، فأين هو عمّن ارتقى بإيمانه عبر تدبر القرآن آناء الليل وأطراف النهار ودراسة أسماء الله وصفاته ونحو ذلك؟!
وهكذا فإن جعل منطقة اليقينيات منطقة متأثرة (لا مؤثرة!) فتتقلّص ببرودة وجمود الفكر، وتتمدّد جداً بحرارة الأفكار الواردة ومدى وهج صيتها لا برهانها وحقيقتها، هذه الممارسة مع اليقينيات كفيلة بإسقاطها عاجلاً أو آجلاً، إسقاطاً غير مثمر، بخلاف الإسقاط المثمر الذي سأتحدث عنه في مقال تالٍ -إن شاء الله-.
كنت قد تحدثت في المقال التقديمي السابق (لم أعد أؤمن) عن خط سيرٍ دائري نقود به أفكارنا بالنسبة لإيماننا بها، وهذا يشمل الأفكار من حيث هي أفكار بغض النظر عن تصنيفاتها، هذه الدائرة (دائرة الإيمان/الجحود) تنطلق بالفكرة من نقطة الشك إلى الوهم إلى الظن إلى اليقين، ثم يعود هذا اليقين متزعزعاً عبر الظن الثاني، فالوهم الثاني، فالشك الثاني، وهذا الشك بحد ذاته إنهيار لليقين، والذي قد ينتقل إلى الجحود وهي نقطة (لم أعد أؤمن)، الفكرة لا تنتقل اعتباطاً عبر هذه المراحل بل عبر منهجية عقلية سواء تعمدها الإنسان أو لا، وهذا هو الفارق الحقيقي بين إنسان مفكّر وآخر، وهو “الوعي” بأفكاره وتطوراتها.
– مع الشك:
إذا علمنا أن الشك هو تساوي طرفي الإيجاب والسلب، أو تساوي درجتي الإيمان والكفر، فإن الفكرة تمر بمرحلة الشكّ مرتين (وفق الدائرة السابقة): المرة الأولى هي التي أقصدها هنا، وهي بسبب عدم وجود الفكرة في الذهن، وإن وجدت خارجة عنه، وهو الذي لا يكون معه أي معرفة بدلائل ثبوت الفكرة أو نفيها، ودرجتا الإيمان والكفر فيها هي درجة صفرية، فإن العقل السليم لا يسلّم بفكرة غير موجودة بتمامها في ذهنه ومعروف أن الحكم (الصحيح!) على الشيء فرعٌ عن التصوّر (الصحيح التام!) له، وهنا ترون أنني أساوي تماماً بين عدم وجود الفكرة في الذهن أصلاً وبين عدم تصورها بشكل صحيح وتام؛ فإن الأمر إذا لم يكن موجوداً على حقيقته في أذهاننا فهو غير موجود حكماً؛ فالفكرة إذن عند الشك بها شَكّاً أولياً تُتصوّر في ثلاث صور: عدميتها، تصوّرها بشكل خاطئ، تصوّرها بشكل ناقص. ودعونا نقف بإيجاز مع كل صورة:
– عدمية الأفكار:
تصوّروا كم يمكن أن نخسر لو توقف عقل الإنسان عن إنتاج المزيد من الأفكار؟ سيتثلج التاريخ! ويجمد كل شيء ولن يتحرك سوى الزمن! غير أن هذه النتيجة تحدث فعلاً عند البعض على الرغم من استمرار الإنسان في إنتاج الأفكار وذلك لأنهم لا يفيدون من إنتاج غيرهم، ولا ينفتحون على عقول الآخرين، والأهم هم لا يهتمون بإنتاج الأفكار لأنفسهم ولغيرهم، هذا جليّ جداً في الأشخاص غير المستقلين والخاملين فكرياً، والأسوأ عندما لا يكتفي الإنسان بعدميّته فكرياً، بل يسلّم عقله لغيره، ويظل يمنح الآخرين تصاريح الانتفاع (الكمّي!) من عقله.
إنّ العقل آلة لا بد من تدريبها على إنتاج الأفكار ببحث المشكلات –مثلاً- وتلمّس حلولها، أو بتطوير حلول سابقة أو تغييرها وتبديلها. إن السؤال (لماذا) وحده – مثلاً- يفتح لنا أفقاً واسعاً من التأمّل، وكما أقول دائماً: لا تسأل عن الأشياء: لماذا هي كذلك فحسب، بل اسأل: ماذا لو لم تكن كذلك؟، إنّ التساؤل الدائم يمرّن العقل على بحث الأفكار وإنتاجها دون أن يكون هذا التساؤل منغلقاً على ذاته؛ فالانفتاح الذهني تجاه الأفكار و “أصحابها!” عامل أهم في تكوين المزيد من الأفكار.