” بقيت كلمة تقتضي الأمانة التاريخية أن أقولها: لا أدعي أني قلت – هنا- الحقيقية (كاملة) ولكني أرجو أن كل ما قلته هنا ..حقيقة!“
كانت تلك هي الكلمات التي قرأتها وجعلتني أحترم الرّجل الذي قالها ، قرأتها في بدايات مرحلة العنفوان الشبابي ، فبين روايات الغزل المطبوعة للمراهقين كان لدي كتاب جاد واحد هو ” حياة في الإدراة ” لـ د.غازي القصيبي رحمه الله.
غازي ، اسم لم يعد علماً على شخص ، بل على همّ وطن احتمله رجل سفيراً خارج بلده ، ووزيراً داخلها ، غازي الذي كان يقول لنفسه قبل الآخرين: إنني اخطأت! بكل نزاهة ليجهض فرحة المتربّصين بالناجحين ، وعندما ينجح ويُنجز فهو ينام ملء جفونه ويسهر الناس جراء نجاحاته ويختصموا.
غازي ، المثقف السعودي الذي عاصر أطوار الثقافة السعودية من بواكيرها ، وصنع لها أطواراً أخرى ، وأثرى المكتبة الثقافية العربية بمؤلفاته الأدبية وترجماته ، والتي تحمل شتى رؤاه الفكرية وتطوراته الثقافية بشكل يستحق التأمل والاستلهام ، إنّك لست بحاجة أن تتفق مع شخص في كل التفاصيل ليكسب احترامك وإعجابك ، ويكفي جداً أن تلحظ جدّه وتفانيه في خدمة أهدافه وأهداف وطنه لتحترمه وتُعجب به ، وهكذا كان غازي.
حسناً ماذا لدى الوطن هذه المرة؟ اسم شارع؟ مدرسة؟ درع يُسلّم للورثة؟ اسم مسابقة؟ …إن الرجل الذي يحمل الهمّ لا يفكر في رفع اسمه على إعلان ، غازي الرجل الإنسان المثقل جداً بالواجب يريدنا أن نرثيه بحمل همّه ودعم رسالته ، قراءة كتبه ، تعليمها ، نقدها . لقد سبق مجتمعه في وعيه وخططه الإنمائية فلم يستطع الأفراد استيعابها في حينها، فرثاؤه في الأجيال القادمة أن يحملوا استشرافاته تلك ، ويستنيروا بها ، كما قال:
غازي ، رحيلك هو الرحيل! ، وإذ تبدو حرارة الدمع أقلّ من لمّ الحزن ، فالسكون أبلغ ، والدعاء لك أوسع ، فيارب النبلاء أجزه عن نفسه وأهله وأحبابه ووطنه خير الجزاء ، برحمتكَ التي سبقت كل شيء اشمله بعفوك، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
الله يرحم الدكتور غازي ويتقبله في هذا الشهر الكريم..
الشهر مبارك عليك يامنال من زمان عنك هنا فرصة للسؤال والتواصل :)