Noah to Allie:
– you could try if you want to.
– NO!
– why not?!
– because…i don’t know!..will you just get up??
– that’s your problem, you know that? you don’t do what you want!!.
*The Notebook Movie.
بينما كنت أشاهد برنامجاً علمياً وثائقياً، قام أحد الباحثين بطرح فكرة علمية وتحليلها وترجيحها، لكنه اختتم هذا العرض بإشارة مفاجئة بيده اليمنى قائلاً: لكنني الآن لم أعد أؤمن بذلك!
حفّزني هذا المشهد للشروع فيما كنت قد عزمت عليه في الكتابة عن خاطر اختمر ذات تأمّل في موضوع: “اعتناق الفكرة” حيث تأمّلت حال الفكرة –أيّ فكرة- بالنسبة إلى الإيمان بها، ووجدت أن تتبّع سير ذلك لا يفضي بنا إلى خط مستقيم متنامٍ من الإيمان دائماً؛ بمعنى أننا لا نستمر بالإيمان بأفكارنا أكثر فأكثر مع الزمن، بل قد يكون خط سير الإيمان دائرياً يعود بنا من النقطة التي بدأنا بها، أي من الجحود بالفكرة إلى الجحود بالفكرة مرة أخرى كما في المشهد السابق، وهذا التحرّك يتسق مع قوله تعالى: (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ)، فإن هذه الآية الكريمة توحي أن الإنسان “حالة متغيرة” باستمرار وليست ثابتة، وأننا عندما ندعو “اللهم ثبتّنا على الإيمان” فإننا نقصد الثبات على حال الإيمان لا على درجته، فإننا مأمورون شرعاً بالسعي لزيادة “درجة” الإيمان الشرعي.
إذن؛ سأتحدث هنا إن شاء الله – عبر سلسلة مقالات- عن “دائرة الإيمان” بالفكرة سواء كان إيماناً إيجابياً أي بوجودها أو صحتها، أو إيماناً سلبياً أي بنفيها أوخطئها (الجحود)، وما الأطوار التي تمرّ بنا مع أفكارنا (أو تمر بها أفكارنا معنا!) خلال هذه الرحلة الدائرية؟ وما الذي يجعلنا نتوقّف عن تطوير إيماننا بأفكارنا؟ وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على “رسوخ” إيماننا بحيث يهوي هذا الإيمان بمجرد أن يشمّ رائحة “الشبهات”، أو بمجرد أن يذوق طعم “الشهوات؟ وغير ذلك مما يتعلق بالفكرة من حيث كونها فكرة بغض النظر عن اندراجها تحت أي تصنيف شرعي أو علمي أو غير ذلك، لكنني سأطبّق بعض الأمثلة على أفكار مصنّفة حتى لا يكون الكلام تنظيرياً مملاًّ أو فلسفياً محضاً.
يمكننا أن نتناول هذه (الدائرة الإيمانية) بالنظر إلى محلّ تكوّن أو صدور الفكرة، فمثلاً تبدو الفكرة المتكوّنة أو الصادرة عن نصّ قرآني أنّها تنطلق من طور: (اليقين بصحتها) بالنسبة للمسلمين لأنه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)، وأنّ الفكرة المختصة “بدوران الأرض” مثلاً الصادرة عن عالم فلكي تضع هذه الفكرة في طور (الظن برجحان صحتها) بالنسبة لغير المختصين وغير المباشرين لعلم الفلك، وهكذا سنجد أن النظر بهذه الطريقة لا يخدمنا هنا لتعلّقه بنسبية الإيمان لصفة الشخص: الإسلام في المثال الأول، أو تعلّقه بخبرة الشخص: عالم الفلك في المثال الثاني، ولأنها طريقة تُسقط بعض أطوار تطوّر الإيمان بالفكرة المستهدفة بالتأمّل هنا.
ويمكننا أن نتناول (دائرة الإيمان) بالنظر لسلوكنا مع الفكرة..
التتمّة هنا: الإسلام اليوم – نوافذ فكرية.
this is what makes them mothers
(F)
لم أكن متصالحة مع السينما المصرية بقدر ما أنا مع مسرح مصر، ولم أفكر مرة بمشاهدة فيلم مصري كامل رغم توصيات النقّاد ، لأنني أعتقد أن توصية صديق بذائقة مقاربة لما أفضّله أو مميزة أكثر إفادة.
فيلم [آسف على الازعاج] 2008 ، يمثل بالنسبة لي مصافحة كريمة جداً مع السينما المصرية ، وسعدت لأن مشاهدتي (الكاملة) الأولى كانت (صدمة) جماليةً بحق.
تسير المشاهد بتسلسل يكاد يكون بديهياً وإذا كنتَ في مزاج (متلذذ) فستكون محظوظاً لأنك ستقرأ هذه البدهيات بطريقة لاقطة وذكية لأن المشاهد متسارعة لكن بوتيرة هادئة درامياً تمنحك فرصة للتقليب والتأمل!، أب طيّار ناجح في عمله صديق ومُلهم لابنه مهندس الطيران (حسن صلاح الدين) ، فتاة تمر في طريق الابن المهندس تأخذه أو يأخذها هو إلى عالمه الجادّ الهادف لتقديم مشروع هندسي للطيران يتوقع أنه سيغيّر به طيران واقتصاد بلده ، هذا الحلم يظهر للمشاهد في صورة رسائل يبعثها هذا الشاب المصري الذي يشبه أي شاب عربي محبط يتعلق بأمل دعم حكومته ، لذا هو يرسل هذه الرسائل مباشرة إلى (سيادة رئيس الدولة!)، وهناك أمّ تبدو قَلقه على ابنها أكثر من اللازم! هكذا يكون الفلم (مسترخياً) في دراميته يجر المشاهد لنفس حالة الارتخاء ربما عند الوصول إلى ثلثي الفيلم سيبدأ المشاهد بمحادثة من حوله أو مطالعة هاتفه واثقاً أن لا شيء مثير يبدو أن سيحدث أو (يفوته) ، عند هذه النقطة ومع الاقتراب من ثلث الفلم الأخير تقريباً وبتمهيد لا يتجاوز المشهد الواحد يتلقى المشاهد الصدمة الدرامية الرئيسية المتعلقة بالابن (البطل) التي ستجعل كل ما بدا بديهياً سابقاً ذا مغزى تراجيدي مؤلم للغاية ، لا بد أن دمعاتك ستنصدم هي أيضاً وتعبّر عن (حالتها!) ، ليبدأ المشاهد في حالة من تفكيك كل المشاهد الماضية وتحليل أين الحقيقة من الوهم فيها! أي لذة سينمائية هذه التي تُنشر على كل حواس المشاهد في الثلث الأخير فقط من الفيلم. الدهشة المركزة والكثيفة هذه هي التي تجعلني أنصحكم بمشاهدته الآن.
لايخلو الفيلم من لمسات (أحمد حلمي) الكوميدية اعتبرها بعض النقّاد عيباً في الفيلم وعلى العكس تماماً بالنسبة لي حققت هذه الكوميدية توازناً خلاباً هو الذي لم يجعل الفيلم تراجيدياً كئيباً ومشاهدته مزعجة، اللغة الحوارية بين الأب الطيار وابنه مهندس الطيران ، بين الابن و صديقته ، بين الأبن و “شلة العميان” في مقهى؛ غنية بالقيّم ومُصاغة ومؤدّاة بكثير من الحرفية ،فقط تحتاج لمشاهد يلتقط بذكاء إلمحات هذه الحوارات وتشكيلها وفق خبراته ليستلهم فكرة أو حساً يثريه.
التراكات، أو صوتيات الفلم أيضاً تداخلت بذكاء مع مشاهد الفلم وحواراته ، عبر أغنيات أجنبية يستمع إليها الابن، حاولوا أن ترجعوا لقصائد هذه الأغنيات –إن لم تعرفوها- لتقدّروا الذّكاء المتدفق الذي صُنع به هذا الفيلم ، مثلاً في جزء صراع الابن المرير مع خيالاته ، وبينما خيال ابيه يحدّثه يظهر الابن مستمعاً لأغنية لا يبدو منها سوى جزئيات تقول:
…. always
I really feel
That I’m losing my best friend
I can’t believe
This could be the end
It looks as though you’re letting go
And if it’s real…
Well I don’t want to know
:”(
لتتلقوا جرعة من الدهشة السمعية أيضاً،وجرعات أخرى في حال ربطتم بين جميع أبيات Don’t Speak والمشهد.
:”(
أعرف أن الفيلم لا يزال يبدو غامضاً –لمن لم يشاهده- لكنني أحترم دهشته التي لا أريد (تبريدها) أمام من لم يشاهده، أخيراً: ضعوه على قائمة أفلامكم : يُشاهد قريباً : )
الفن: القاموس الذي لا يخضع لتوقيع “هوية محددة” ممهور بآخره سوى بـ “مجرد انسان” ، لغة التحاور بين “دواخل” بشر مختلفين في كل شيء سوى أنهم “انسانيون جداً” ، ليس أكثر من أن تكون “انسان” لتكون أحد الناطقين بهذه اللغة المُدركين لدلالاتها ، المُدركين لأهميتها في إعطاء “الحياة” معنى مختلفاً بإيحاء عميق من “الذات”.
الفنون بأنواعها لغة تحترمها الشعوب كافة إلا من دنى أو تدلى عن كونه انساناً حقيقياً. الفن لا يمكن أن يصبح “نقطة جدل” يكون بعدها أو لا يكون ، لأنه “سرمدي” وكائن للأبد والجدل فيه عبث! والأفضل من ذلك إدخار الوقت للاحساس به والتفاعل معه ، انشاءً واستجابةً وتطويراً.
يكون “الفن (بأنــواعــه !) ” مجرد محاولة لرسم ماهية “الروح” التي لا نعلمها ، نحاول أن نجعل المادة (الورقة – اللوحة – العجين – الآلة …. إلخ ) مرآة نرى من خلالها واضحاً ما نشعر به هلامياً.
يكون الفن “رأياً” نصبغ به الآخرين فـ: تعجبني أنت أو لا تعجبني … يمكنكُ أن تعرف ذلك من خلال “فنّي! ”
يكون الفن محامياً شريفاً لقضية فقدت مناصراً أو فقد مناصرها قوته أو استحقاقه في الدفاع.
يكون الفن “ثورة وردية” ، الفن لا يجرح ، لا يكسر ، لا يريق دماً …. الفن محكمة شريفة لا يملك المجرم فيها إلا أن يقول: أنا مخطئ!
الفنّ ، يكوّن أفكارك ، يدثر أحساسك أو يفضحه ، الفن يغيّرك بينما يجعلك “تستمتع!” في الوقت الذين يكون فيه التغيير بغيره يتطلب كفاحاً وخسائر.
لذلك يعجبني جداً “عبد الله ثابت” – رغم عبث المصنّفين – لأنه يكتب بـفن عن الفن دائماً كأداة يوصل من خلاله أفكاره.
الفن – كأي شريف محترم آخر – مُعتدى عليه ، من زمرة لم تستطع أن ترتقي إلى سمّوه فرأت أن تتقمّص ملابسه وهيئته
دون أن تدري أن الفن لايمكن أن ينزل إليها…
وإعلامنا العربي المريض – كعادته الميمونة – يبدأ من الأسفل ليصل إلى الأسفل منه ، كشريك –غير شريف- في اعتداء غير شريف على أكثر محاور الحضارة الانسانية نزاهة وشرفاً.
وأنتَ أيها العربي العزيز … بيدك “الريموت !”
لَيْسَ الصَّديقُ الذِي تَعْلُو مَنَاسبُهُ
بلِ الصديقُ الذي تزكو شمائلهُ
إنْ رابكَ الدهرُ لمْ تفشلْ عزائمهُ
أَوْ نَابَكَ الْهَمُّ لَمْ تَفْتُرْ وَسائِلُهُ
يَرْعَاكَ فِي حَالَتَيْ بُعْدٍ وَمَقْرَبَة ٍ
وَ لاَ تغبكَ منْ خيرٍ فواضلهُ
الرجل الذي جمع بين شجاعة الفروسية والجهاد ورهافة الحسّ ورقيق الغزل ، (فارس السيف والقلم) لقبه الذي يستحق أكثر منه … محمود سامي البارودي (1839-1904) ، مصري من القاهرة
عندما أريد أن انتخب شاعراً أسهر مع دواوينه وأعيش مع سيرته يهمني كثيراً أن أبحث عن سؤال كبير: هل كان مهاجراً أو مسجوناً؟ الهجرة والسجن تتضمنان معنى عميق للـفقد، الفقد هذا طوفان من الإلهام والإبداع ، البارودي تم تهجيره لحوالي 17 عاماً مع زعماء الثورة العربية لأنه ناضل ضد الاحتلال ببسالة، يعشق بلد مصر ويجسدها ليتغزل فيها بكثير من الحب والحنين،وقد عاد إليها في آخر عمره لضرورة العلاج وقال حينها “أنشودة العودة”
أبياته مليئة بالحكمة والآداب سهلة العبارة، هي ليست للمهتمين بالشعر فقط بل لكل فرد يسعى لتزكية نفسه وترقيتها، لنقرأ مثلاً:
إنْ شئتَ أنْ تحوى المعاليَ ، فادرعْ – صبراً ؛ فإنَّ الصبرَ غنمٌ عاجلُ
احلمْ كأنكَ جاهلٌ ، وَ اذكرْ كأنـــــ ــكَ ذَاهِلٌ، وَافْطُنْ كَأَنَّكَ غَافِلُ
فلقما يفضى إلى َ آرابــــــــــــهِ – فِي الدَّهْرِ إِلاَّ الْعَالِمُ الْمُتَجَاهِلُ
دون أن أتوقف مع الزخم الشاعري في استعاراته وتراكيبه اللغوية البديعة.
وفي الحكمة لنقرأ :
لأمرٍ ما تحيرتِ العقولُ
فهلْ تدري الخلائقُ ما تقولُ ؟
تغيبُ الشمسُ ، ثمَّ تعودُ فينا
وَتَذْوي، ثُمَّ تَخْضَرُّ الْبُقُولُ
طَبَائِعُ لاَ تُغِبُّ، مُرَدَّدَاتٍ
كَمَا تَعْرَى وَتَشْتَمِلُ الْحُقُولُ
يكفي؟!
سأنتقل للضفة الأجمل والأعذب الحب والغزل …
الْحُبُّ مَعْنى ً لاَ يُحِيطُ بِسِرِّهِ – وصفٌ ، وَ لاَ يجري عليهِ مثالُ
وَ كذلكَ الأرواحُ يظهرُ فعلها – وَ يغيبُ عنا سرها الفعــــــــــالُ
حكمٌ تملكها الغــــــــموضُ – فلمْ يحطْ برموزها في العالمينَ مقالُ
وأيضاً:
هَل مِن طبيبٍ لِداءِ الحُبِّ ، أوراقِى ؟ = يَشفِى عَليلاً أخا حُزنٍ وإيراقِ
قَدْ كَانَ أَبْقَى الْهَوَى مِنْ مُهْجَتِي رَمَقاً = حَتَّى جَرَى الْبَيْنُ، فَاسْتَوْلَى عَلَى الْبَاقِي
حُزنٌ بَرانِى ، وأشواقٌ رَعَت كَبِدِى = يا ويحَ نَفسِى مِن حُزنٍ وأشواقِ
وفيها يتحدث عن اغترابه في منفاه “سرنديب” إلى أن يقول:
وهوَّن الخطبَ عندى أنَّني رجلٌ = لاَقٍ مِنَ الدَّهْرِ مَا كُلُّ امْرِىء ٍ لاَقِي
يا قَلبُ صَبراً جَميلاً ، إنَّهُ قَدَرٌ = يَجرِى عَلى المَرءُ مِنْ أسرٍ وإطلاقِ
لا بُدَّ لِلضيقِ بَعدَ اليأسِ من فَرَجٍ = وكُلُّ داجِية ٍ يَوماً لإشراقِ
مذهل هذا الانسان ونتاجه غزير … واقرأوا إن شئتم هذه الروائع :
أبى الضّيم ،فاستل الحسام وأصحرا (رائعة)