عشرون يوما من التدوين| 04: رسالةٌ مُعلنة

رسالة مُعلنة إلى رفيقي في أسبوعه الثالث من الصَّمت المريب:

“كصديقين يشتركان في تفضيل الصمت في حياتهما اليوميّة، فالكلام ليس وسيلة اطمئنان، وسؤالاتنا عن الحال تعني أننا نطلب حكاية من طرف اليوم في حدود ثلاثة أسطر، مُديركَ الغبي أو زميلتي الغبيّة، يعني مساحة لشتم الأعداء المشتركين، ثم نعود إلى حمى صمتنا آمنين وأنا أعرف أنك بخير.

تعرف، وأعرف .. أن الإجابات المعلبة هي صمت آخر، عندما يسألك غريب: كيف الحال؟ وتجيبه: بخير، فأنت في حقيقة الأمر تمارس صمتا مقنّعا، أنت تمنحنه ردّا لا إجابة، الرد غير الإجابة، صحيح؟ كأنك تُنهي جملته فحسب، دون أن تبدأ جملتكَ، تقضي على فرصة استحضار حكاية سخيفة، الحمدُ لله يا صاحبي أن النّاس متواطئون على هذه المناورة، الجميع يبدون سعداء بذلك.

عندما يسألك رفيقكَ سؤالا ساذجا كأن يسألك إن كنتَ تريد قهوة بينما هو أساسا يناولك كوبك، فهو يبسط إليك طريقا إلى مزاجه، إلى جناحيَِ روحه، وإلى دماغه العليلة ويريدك أن تتهادى إلى كل ذلك كصاحب مَنزل، من المربكِ أن تقاطع نصّه الموغِل في توقعاته وتقول: “لا أريد قهوة اليوم…” لا أعرف هل تفهمني الآن؟ الصّمت المريب بين الأصدقاء يشبه وقع خطوات الغرباء في المحطّة، خطوات مُربكة لكن صارمة تُريد وِجهة غير متقاطعة مع أحد، يشبه وجوه أولئك الذي يرتدون نظارات شمسيّة حتى قبل الغروب بقليل.

الصّداقة بالمحصّلة هي مسألة توقيت، هل تصدق أنني أسهّل الأمر إلى هذا الحد الممتنع؟ مسألة توقيت، تعرف الوقت الذي تقبض فيه على صديقك، الوقت الذي تطلقه فيه دون أيّة تدخلات وتلمحه من أبعد نقطة ممكنة، الوقت الذي تصغي إليه، الوقت الذي تتركه مستغرقا في صمته، والوقت الذي تدفعه لأن يمنحك إجابة لا ردا، الأسبوع الثالث … كمثل هذا اليوم هو وقت لا أعرف حقيقة ماذا أفعل فيه، غير ممارسة أكثر شيء أجيده مع أصدقائي… أن أَقلق”