إلى خافير … من الأرجنتين

خافير هو المستخدم الذي قرر مشاركتي حسابي في نتفلكس، ولأن حسابي مؤمّن بشكل كاف لم تكن مهمة اكتشافه صعبة ومن أول تسجيل دخول،

كل مافعلته هو أنني تأكدت أنه مستخدم عادي يريد مشاهدة الأفلام، خافير لا يريد الوصول إلى الإيميل أو حتى جهازي، يريد فقط مشاهدة الأفلام، ودون أن أتواصل معه، منحته عدة أيام للضيافة، العرب يفعلون ذلك بلا مبرر دائما، هذا الأمر الذي يستفز المهتمين في التقنية والحماية، لا يجب أن تستضيف أحدا على جهازك أو حسابك، لكنني فعلت ..

ومن اليوم الأول لدخول خافيير قرر إنشاء ملف خاص به، أحترمت ذلك فيه، لأنه من المزعج أن تستخدم ملفي الخاص وتربك نتفلكس في تحديد تفضيلاتي وقوائمي، كلنا نعيش تلك اللحظة التي لا تعرف ماذا نلبس فيها أو ماذا نأكل أو ماذا نشاهد، شكرا للخوارزميات التي تمنحنا إجابة مريحة وجاهزة على شكل اقتراح، كما يفعل الأصدقاء، رغم أنها في الوقت ذاته تخلق لنا مساحة آمنة ساشعة أكثر مما كنا نرتاح فيه مسبقا، فنعيش وهم الاكتشاف المتجدد بينما نحن في الواقع نعيد تكرير تفضيلاتنا تحت عنوان ( هل تقصد ..؟) ، المهم أنني لاحظت أن تفضيلات خافير لم تعجبني لكن ذلك أمرا يخصّه …

ولمدة يومين كان خافير مشغولا أكثر من اللازم في تعديل ملفه، حتى أنه لم يشاهد أي فلم، ماهذا يا خافير؟  لديك مكتبة بمئات الأفلام وأنت مشغول في تغيير لون الملف وصورته؟ دخل خافير حسابي وظن أنه سيعيش أبدا، حتى أنه بدأ في اليوم الثالث بإنشاء قوائم للأفلام، لا أعرف إن كان يخطط لمشاهدتها على مدة الثلاثة شهور القادمة أم أنه مجرد شخص مهووس بترتيب الأشياء، لكن الأكيد أنه كان يستمتع بما يفعل، كانت القوائم منشأة قبل إضافة الأفلام إليها، وهذا يرجح الاحتمال الثاني، هذا الرجل لديه تصنيفات في رأسه ويريد أن يرى العالم مصنفا، حتى وإن لم يوجد أي فلم تحت هذا التصنيف، هؤلاء الأشخاص عادة مريبون ولديهم اهتمام مفرط بما يجب أن تبدو عليه الأشياء في هذه الحياة بشكل عام، يفترضون أنك يجب أن تطلب قطعة شوكولاتة مع القهوة ، وكعكة ليمون مع الشاي، لكنك لو قررت مفاجأة الموقف وطلبت أمامهم برقر مع لاتيه ( كما فعلت أنا بالأمس) سيعتبرونك فورا غريبا، وتفعل أشياء خارج قوائم التصنيف، وستبدو لهم مريبا، كما يبدون لك ..

في اليوم الرابع، ونظرا لأن مدة الضيافة قد انتهت، فتحت ملف خافير لأرى إن كان في منتصف مشاهدة فيلم فأنتطره حتى ينتهي ثم (أطيّره) ، وبالفعل كان للتو قد أنهى أول خمس دقائق من فيلم أرجنتيني، ولحظة … قبل الدخول إلى ملفه، لاحظت أنه قام بتغيير لغة الحساب بالكامل إلى اللغة الأرجنتينة، خافير لم يظن فقط أنه سيعيش أبدا بل أيضا بدأ يتصرف وكأنه “يرفض المسافة، والسور، والباب، والحارس” وتعدى كونه “يمون” إلى أنه يملك الحق في تغيير لغة الحساب، ولمن لا يعرف مثلي فإن الأرجنتينية – بحسب الدرس الأول الذي قدمه خافير- لا تتقاطع مع المفردات الانجليزية بشيء، لا يمكنك تخمين معنى الكلمة، اضغط عشوائيا و”يفتح الله” ، وكانت هي اللحظة التي شعرت فيها بإحساس والتر وايت عندما قال:

وداعا خافير، أتمنى أنك الآن تحظى بفرصة أفضل في حساب آخر تكمل فيه مشاهدة فيلمك السخيف D: