١٠ أسباب تضمن لك أن أختك لن تهرب مع عشيقها …
يخشى كثير من الرجال اللُّطاف من أي دعوة لإنصاف المرأة وتحقيق الكفاف في عيشها، فضلا عن أن يتحقق لها التمكين والاستقلال، دون أن يخجل من تحقيق الاستفادة القصوى من راتبها أو طريقتها في تنظيم الفوضى من حوله سواء كانت أمه أو أخته ذات التسع سنوات، كثيرا ما يتصرف الرجل من هذا النوع كما لو أنه فرد في قطيع فرس نهر مهدد بالانقراض، ذكر فرس النهر الذي لم يفهم العلماء حتى الآن النمط الذي يقرر فيه أن يعيش في مجموعة، هل هي المصالح أم الصراعات؟ لكنه مع ذلك يمارس حياته ففي الوقت الذي لا يقضيه في التمرغ في الوحل والانغمار في الماء، تجده يستولي على الإناث ويقاتل الذكور الآخرين قتالا عشوائيا، بنفس الطريقة يتصرف الرجل الذي يخشى من تمكين المرأة عندما يقابل رجلا يفكر بطريقة مغايرة، يشعر أنه معرّض للانقراض وأن عليه أن يقاتل هذا الرجل الذي يؤمن بحقوق امرأته، ولكنه في النهاية مجرد رجل مذعور غير قادر على الذهاب لأقصى المعركة، سيكتفي باتهام الرجل الآخر في أخلاقه وأن المرأة ( أخته، أمه ..ابنته .. ) إنما تريد أن تهرب مع عشيقها بمجرد أن تُمكّن، شخصيا لا أنظر بعدائية لهذا النوع من الرجال المذعورين، لأنني لا أشعر بالتهديد منهم بقدر ما أجد موقفهم ساخرا، وهذه مجرد محاولة لتذكيرهم بعشرة أسباب أساسية أضمن لهم فيها أن قصة هروب أختك مع عشيقها لن تحدث:
-
أنت لستَ فرس نهر.
-
… ربما كثيرا ما تتصرف مثله، لكنّك لست فرس نهر.
-
أنت مُمكّن من خيارات حياتك الأساسية، لكن – كما تلاحظ – أمّك ستزوّجك فتاة مجهولة رأتها في حفل زفاف وأنت ستفرح وستزين سيارة مستأجرة بالورود، عادي يعني!
-
أنت لم تهرب مع عشيقتك، كل ما تفعله هو إزعاجها بطلب الصور.
-
أنت تكتفي بصورة لطرف اصبعها، أختك لن تعشق رجلا من صورة لطرف اصبعه.
-
الرجل الذي تعتقد أن البنات سيهربن معه على الأرجح لديه سكس باك ويتجاوز معدّل طولك، هذه مشكلتك العميقة معه، ليست أفكاره، اعمل رجيم وسكوات وستكون أمورك “زي الحلاوة“.
-
سابعا: أنت – حتى الآن – غير قادر على الخروج من بيت والدك، الذي يدفع أقساط سيّارتك، وسيدفع تكاليف زواجك، وعلى الأرجح قام بشتمك مرات عديدة أمام الضيوف، لكنك مع ذلك لم تهرب.
-
اترك المرأة الغربية في حالها، لكن إن كنت مصرّا على جعل أختك ملكة، الملكة تحصل على عقود ألماس، تفضّل تسوّق لها من هذا الرابط
-
عندما تتعرض الفتاة للاغتصاب والتحرش والتعنيف والحرمان من تقرير المصير ستقرر أن تهرب، أنت رجل شاطر لن تفعل لها هذه الأشياء السيئة، لا تخف.
-
عدد خرّيجات الجامعات والدراسات العليا للفتيات في السعودية متفوق على الرجال، ويحققن عوائد مادية وظيفية رغم كل الظروف، صدقني لا يوجد فتاة سعودية تريد الهروب مع رجل سعودي يكلمها من شريحة جوال غير مدفوعة.
ختاما، أنا حقيقة أحاول تهدئة روْع أي ذكر يشعر بالتهديد بالانقراض، إذا لم تجدِ معك يا صديقي هذه النقاط، اصنع لك صديقا تخيليا على شكل دبدوب أو باربي مثيرة – كما تحب – اجلس مع صديقك التخيّلي وفضفض له عن مشاكلك، سيساعدك ذلك على الاسترخاء، أو اتصل على حليمة عندما تكون على الهواء مباشرة، كُن خلّاقا، شكرًا لك.
ما يمكن ألا تتمنّاه في عيد الميلاد
تقول سحر عن أعياد الميلاد، أنها ” أكثر فكرة كوميدية، فالحمدلله الذي جعلنا أكبر من كده” ، سحر عبيطة طبعا، لكنني أذكرها هنا لأننا نتشارك ذات اليوم، وأعتقد أن ولادتي وإياها في نفس اليوم، نفس الشهر، أحد صور الحضور الكثيف لهذا العالم، وهذه مجاملة، لسحر طبعا! تخيّل أن تحاول التملّص من الفكرة كليا، ثم يأتي آخر ليُلصقك في نصّ عيد ميلاد، أعتقد أنني هنا أودّ الحصول على صورة سِلفي مع الستّ سحر التي تريد أن تكون ” أكبر من كده ” …
أحبّ نوفمبر، وهذا يبدو هزليّا لأنني أؤمن بأن الوقت وحدة لقياس المسافة لا الزمن، وعندما أشعر أن يومي سيء، أقرر أنه انتهى وأن اليوم التالي بدأ حتى لو كان ذلك في منتصف النهار، وأعتقد يقينا أنني – ككل شخص آخر – أملك الحق في إعادة تشكيل مفهوم اليوم، مع ذلك أحبّ نوفمبر، الأشياء الجيدة اعتادت أن تحدث لي في نهايات العام الميلادي، اكتوبر كان “راجل طيّب” وهذا الأسبوع من نوفمبر كان أشبه بباقة زهر، وهذه موافقة غير محسوبة، لقد صدف فحسب أنني قررت الانتهاء هذا الأسبوع من عدة أمور معلّقة، ونجحت.
لستُ ممن يتمنّون للعالم السّلام، كشخصٍ تنافسيّ قَلِق، يشتم كثيرا أثناء لعب البلايستيشن، ويتحمّس بعدائية لفوز فريقه الذي بدأ بتشجيعه بعد انتهاء نصف الدوري، فإن فكرة السّلام تبدو مملة بنفس الدرجة التي يتناول فيها صديقك الفيجيتيريان طبقه البارد، وبنفس الطريقة التي يخوّفونك بها من أكياس البلاستك، البشر أكثر الحيوانات خطورة، يقررون فجأة حماية الكوكب من الورق غير العضوي. هذا غير مهم الآن.
كما أنني لا أستطيع أن أتمنى لأطفال العالم بيئة أفضل، أو أن يتوقف تشغيلهم، المخلوقات المتكاثرة التي تجعلك تندم على بدء مناوشتها أو ملاعباتها، لأن لديهم قدرة غير معقولة لتطوير الموقف إلى ضربك وسحلك وجمع شعرك في كفوفهم الصغيرة، ثم يكون عليك أن تتصرّف بشكل حضاري وتقول بهدوء مفتعل: معلِش يا حبيبي .. روح لماما! ثم تلتفت للماما لتخبرها أن هذا الكائن لطيف و “ياحليله!” أطفال العالم بحاجة إلى منحنا نحن بيئة أفضل، نحن الذي بدأنا اللعبة بنوايا حسنة. الأمر ينطبق أيضا على الكبار. بالتأكيد.
*
عندما يقولها سيّد دوريش ” تلوم عليّا إزايّ يا سِيدنا ” فإنه يعبّر عني فيما يمكن أن أسميه الجواب الذهبي لأي سؤال يحمله زائرو عيد الميلاد، وإذا استدعى الموقف، فـ ” كل ده كان ليه لمّا شفت عِينيه” هو جواب احتياطي. وعندما يسألني أحدهم عمّا أتمناه، فإنني لا أستطيع الإجابة، لم أعتد على حمل الأمنيات بخفّة شعلة شمعة، لدي أهداف أعمل عليها، وخطة، وخطط لهذه الخطة، وخارطة طريق وصفّارات إنذار ومخارج طوارئ، وأكثر من طريقة للإنعاش، إما أفعل كل ذلك، أو لا أفعله، لا يوجد منطقة وسطى لمجرد الأمنيات، بينما أعمل بلا توقف يكون السؤال/الإجابة واقفا مستندا على جدار غرفتي، مشبّكا ذراعيه ” كل ده كان ليه؟ ” … وعندما تتقاطع أعيننا أردّ:
معرفش ياصحبي!
*
منذ اليومين الماضيين، تلقيت عدة هدايا، وهذه العبارة ستجعلك تشعر أن هناك قطارا ورديا من العُلب المغلفة والكثير من الشرائط الوردية الطائرة خلف هذا القطار السّريع المتوجّه إلى بيتي، حسنا .. ليس كذلك بالضبط، هذه مبالغة أخرى، ولأنني شخص يحتمل مزاجه أن يستمع من الستّ وحليم إلى تايلر سويفت، مرورا وسكنا عند ” أبو نورة” سيكون لدى رفاقي قائمة طويلة من الخيارات المتضاربة التي هي أشبه بحقل ألغام.
وأنا أنظر للرقم المشتعل فوق كريمة الشانتيه، يخطر لي أن النّاس يكبرون بطريقتين: التعتيق، والذبول، ولا يوجد طريقة ثالثة، ثم يخطر لي أيضا أن الذبول ليس خيارا متاحا
*
https://soundcloud.com/manalsmood/likes
عشرون سيرة ذاتية| 6 :القفْلة الأخيرة.
كتبتُ مرّة:
سلّمك الله يا صاحبي من جِنايات العيون، والصّمت الشّغوف، ومن صدرٍ تعود بعده إلى أرضك وأهلك فلا تعرفهم.. ولا يميّزونك..
فيوقفك التلهّف على قدم، كالشّطر الأخير، متأمّلا ألا يخونه الشاعر ويفوته بيت القصيد فيرى نفسه مجرّد قفلة اقتضتها ضرورة الخَلاص من طول القصيدة.*
لا أحد يودّ أن يكون مجرد قفْلة، لكن لهذا الأمر لذته التي تشبه الخَلاص، هذا ما ستفعله هذه التدوينة بالعشرين سيرة ذاتية – مجازًا – أكملت عددا من السير في الفترة الماضية، اختراع العزلة وَحكاية الشتاء| بول أوستر ، قبل أن تخون الذاكرة | عبدالرحمن عايل
( اختراع العزلة ) : كتبتُ مراتٍ عن العزلة بإيجاز في تويتر ( ليس اليوزر المرفق مع رابط التدوينات في حساب مدونات سعودية، من فضلكم، اطلبوا من سلطان العامر تصحيحه) ، كان العزلة باهرة الأثر على كل انتماءاتي، ويمكنني أن أكتب سلاسل تدوينية في ذلك لكنني أفتقد الدافع لذلك الآن، فكرة تصدير التدوينات بمحاكاة شخصية لم تكن فكرة مريحة بالمناسبة، ليس العزلة التي صوّرها بول أوستر كسيرة لوالده – اكتشفت ذلك متأخرا حيث لم تكن سيرة ذاتية – عزلة والد بول أوستر من النوع الموحش، بينما أعتقد أنني حظيت ولا زلت أحظى بعزلة زاهية فمتى ما أردت، يمكنني الانسحاب من المشهد الاجتماعي للانكفاء على ذاتي وأشيائي وزراعة المتعة في دقائق الوقت. في (حكاية الشتاء ) يتحدث بول أوستر عن سيرته الذاتية بضمير المخاطب، يضع القارئ محلّ حكاياته الشخصية، وكأنه يود الانعتاق من مسؤولية الضمير أنا، أشعرُ بحاجة أوستر لذلك وأفهمه، أنت لا تودّ كشف أوراقك، وإذا ما اضطررت لفعل ذلك فارمِها على القارئ، عندما تحكي قصتك وكأنها قصة القارئ ستجعله ينشغل بالبحث عن الإسقاطات على حياته الشخصية، سيكون ذلك أدعى لأن ينشغل بالتعاطف والتفهم وليس بالحكم عليك، على خلاف ما يفعله عبد الرحمن العايل في سيرته (قبل أن تخون الذاكرة ) ، العايل يتحدث بضمائره الخاصة، عن قصصه الأكثر خصوصية، ورغم أنه لا محل للمقارنة لكنني أجيز لنفسي أن أقول أنني لم أستمتع حتى الآن بمتعة أكثر من سيرة العايل، الشاب السعودي الذي يهدي سيرته إلى ولده غير الشرعي، هكذا .. مباشرة يقذفها في وجهة القارئ!…بكل براعة وتجلي، هو لا يبالي بما يمكن أن تحكم به عليه، لأنه كما يقول كتب السيرة ( بدعامات قلب أمي الأربع ) والتي أسقطها العايل مراتٍ ( وبدماء سبعة من الأصدقاء … ) يضع العايل نفسه ومن أول صفحة نِدا لأي قارئ، يحكي عن تجاربه الإدمانية ثم مع الدين والتطرّف الدعوي والجهاد مرورا بغرف التحقيق، دماء الأصدقاء، لكنك إن كنتَ مثلي … تحب أصدقاء الأبطال أكثر من الأبطال أنفسهم ، فتجد نفسك مبهورا بـ طلال! الأخ الأكبر للعايل. أشعر بالأنانيّة هنا لأنني سأحتفظ بالتفاصيل ولا أود تقديم مراجعة كاملة لهذه السيرة، لا أريد لكثافة الشعور التي حُشدت مع كل سطر أن تتخفّف بالكتابة، إن كنتُ سأوصي بأي سيرة من التي كتبتُ فيها تدوينات حتى الآن، فستذهب التوصية ببساطة إلى هذه السيرة.
على الطاولة:
ربما أقوم بمراجعات لاحقا، لكن يمكن اعتبار سلسلة التدوينات هذه مقفلة، لدي تدوينات عدة معلّقة وكان وجود هذه السلسلة يعيق نشرها، يحدث الكثير من حولي هذه الأيام، أكتب تقارير لصالح رصيف ٢٢ وسيناريوهات لصالح نَصَّ وتقييمات لدار مدارك ، كلّ ذلك كعمل جانبي لأنني لا أودّ الانقطاع عن الكتابة فحسب، جانبا إلى عملي الخاصّ الأصل، ومواصلة الدراسة. مستغرقة كذلك في ملاحقة حلقات مسلسل Peaky Blinders أقع دائما في غرام الأولاد السيئين.
سعيدة بعودة مجموعة من المدونات للتدوين مجددا، وأمضي وقتا مطوّلا في متابعة زملاء التدوين، يسعدني هذا الأمر إلى درجة أنني أودّ ذكره هنا حتى بدون وجود سياق.
عشرون سيرة ذاتية| 5 الذاكرة التعبيرية – سيمون دو بُوفوار
… الكتابة كفعل منجاة لم تكن غايتي في فترة مبكرة بقدر ماكانت غايتي هي التعبير، تصف سيمون دو بوفوار نفسها بالفتاة الثرثارة حيث الكتابة نتيجة طبيعية لها، بالنسبة لي لم أكن كذلك، إذا جلست بجانبي لمدة ساعتين لن أفكّر بفتح موضوع للحديث، سأستمتع بالصمت، إذا كنتَ مُلفِتا سأنظر إلى وجهك دون أن تشعر وبعدما تشعر كجزء من تأزيم الموقف المربُك، لكنني لن أتحدث معك رغم ذلك. كنت مأزومةً بالتعبير قبل الكتابة، كحاجة شديدة الإلحاح للتعبير عن مساحتي الوجودية، آرائي الساذجة، مواقفي الاعتباطية، والمبالغة في إشهار حدودها أمام العائلة، عندما كان النوم مبكرا مفروضا على الجميع من أجل المدرسة، كنت سرق ساعة إضافية من السهر بعينين ذابلتين من النعاس كنوع من الاحتجاج الأعمى. في الصباح أعِد نفسي في سرّي أنني لن أكرر ذلك لأن النوم على سفرة الفطور فعل فاضح لطفلة تريد أن تقدم نفسها كفتاة خارقة لا يؤذيها السهر، لكنني كررت ذلك حتى تعرّفت على إذاعة (مونت كارلو) ومسرحياتها المتأخرة، مشاهد من الدراما والحبّ والقُبلات الهوائية؟ يا سلام! هذا ماكنت أحتاجه للتعبير أنني – فوق أني خارقة.. من فضلكم!- أستطيع الحصول على حكايات للكبار فقط، في البدء كنت أعيد التردد للإذاعة المحليّة ومسح الآثار اللصوصية، ثم مللت من ذلك واخترت أن أتركها على مونت كارلو، لأوجّه لوالدي رسالة من نوع ” نعم أقصدك” .. كنت أفكّر في ذلك كحدث خطير سيغيّر مجرى الكون، لكن كل الذي حدث هو أن والدي كان يبحث عنها ووجده أمرا مريحا أن يتم ضبط الموجة له، لم يتكلّف حتى بالسؤال عن الذي اكتشفها. وكان هذا محطما للكبرياء، يا سيّد.. كيف لا يمكنك أن تنتبه لهذا الفعل الثوري الخطير؟
.. كنوع من التصعيد انتقلت للخطوة التالية، برنامج إذاعي خاص لشؤون العائلة، وظّفت فيه أخوتي كفواصل إعلانية، وسجّلت حلقات البرنامج على أشرطة والدي (مثلا فوق أغاني أم كلثوم التي كنت أراها مطوّلة بشكل غير مبرر) ثم أخبئها عنه، في البرنامج كنت كثيرا ما أخرج عن النصّ بشكل محرج، أشتم مثلا أو أبصق على أشخاص معيّنين لا أحبهم، أذكرهم بالاسم، ثم أشير لأخي ليتدخل بفاصل ينقذ تدهور الموقف. بعد الفاصل أعود وكأنني شخص آخر تمت تهدئته وصوت فتاة مُنعّم تتحدث عن كونها “واو!.. رائعة!” ثم أقدّم أغنية السهرة بكل النشاز الممكن الذي أخلّله بضحك وتصفيق وتعليقات من نوع “الله عليكِ يا ست”، وفي الختام أسرد أسماء فريق العمل وهي اسمي مكررا، ثم أعد “المستمعين” بحلقات أفضل وأكثر سخونة.
المقصود بالمستمعين طبعا.. أنا.
كانت حاجتي للتعبير تفوق قدرتي على الكتابة، حتى أصبحت الكتابة ملاذا لعجزي عن التعبير، العجز الذي شعرت به منذ اللحظة الأولى لشعوري بنفسي..
تقول دو بوفوار:
” كان عمري خمس سنوات ونصف.. وكانت تُسكرني فكرة أن أمتلك حياة تخصّني وحدي”
… أستطيع أن أنتمي لكل حرف في هذا السطر. سيمون في “مذكرات فتاة رصينة” لا تقدم الصورة التي أنتمي إليها كـ “فتاة في منتهى الشقاوة” لكنها بالضبط المذكرات التي وددت قراءتها، حقيقية وصريحة ومباشرة، ووجدتني أتقاطع مع كثير من ذاتيّتها، تمثّل مرحلة من ثلاثة مراحل من سيرتها، تحديدا مرحلة الطفولة وتكوين الشباب، سأحرص بالتأكيد على إكمال بقيّة الأجزاء، لن تجد تفصيلا لحكايتها مع سارتر إن كنت تبحث عن ذلك، أعتقد أنني سأقيّمه بخمسة من خمسة.
عشرون سيرة ذاتية| 4 الضوء الأزرق – حسين البرغوثي
لم أهتم مسبقا بالقراءة لحسين البرغوثي، عندما اقترحته العزيزة خلود قالت ” ما أعرف إذا ممكن اعتبار الضوء الأزرق سيرة ذاتية، لكنه سيرة مجنونة لعقل البرغوثي” هذه العبارة حفّزتي فورا لتثبيت الكتاب على القائمة، أثناء القراءة .. تمنّيت لو أنني قرأته في فرصة أخرى، عندما أكون في مشروع قرائي كهذا ألتزم بالحفاظ على رتم معين، وهذا من نوعية الكتب التي تودّ لو أنك تقرأها بأقصى ما استطعت من البطء والتلذذ، كما يقول درويش” تُحتسى على مهل” ، بعد الانتهاء منه وجدت تقييما لدرويش يقول فيه:
“..إنه نصّ لا يصنّف في جنس أدبيّ واحد، وهو ليس سيرة ذاتيّة بالمعنى المتعارف عليه، ولا هو رواية، إنه يذكرنا بسرديّات الرواية وبحميميّة السيرة، ولكنّ سيرة المؤلف هي أحد المكونات الأساسية لهذا النصّ المفتوح على كل أشكال الكتاب القادرة على استيعاب همومه الوجودية والثقافيّة والفلسفية…”
شكرا درويش لأنه اختصر كل ما أردت قوله، انتهيت البارحة من الكتاب، لكنني تباطأت في التدوين عنه، كأي حالة عجز تصيب أي كاتب عندما يصطدم بنصّ مُبهر، السرد ليس خارقا، لكن إذا كنت مثلي تفضّل القراءة الفلسفية الذاتية، والكتب التي تسجّل الأحاديث التي تدور في دماغك في منتصف اليوم، أثناء المشي، عند انتظار الإشارة الحمراء، أو عند جلي الصحون، وعند الفضفضة لصديق على واتساب، أعتقد أنك ستحب هذا الكتاب، لذلك تجاوزت النصف الأوّل الشخصي الذي أكتبه عادة هنا.
البرغوثي في هذه السيرة الذهنية – وأجرؤ على تسميتها كذلك !- برأيي استخلص الأصوات التي تجلس على طاولة دماغه، شخصية الرجل التركي”بري” هي تجسيد للجنون الذي خافه البرغوثي، هي الفصام الذي خشي أن يُصاب به، في أول ثلاث أرباع الكتاب قام بتصوير الجنون كحالة مرعبة لكنني ظللت معتقدة في داخلي أن دماغ هذا البرغوثي متلاعب كبير، وأنه معجب بالجنون ويودّ لو يمسّه، حتى وصلت إلى الصفحات الأخيرة التي قال فيها:
“ من اللطيف أن الجنون مغرٍ، غريب كم كان يجذبني، كم كنت أرغب به، وأنوي عليه”
وشعرت حينها بنشوة كما أنني: “صدتك يا برغوثي! يا لعّاب كبير!” لكنه استدرك موقفه وقال بعد أسطر عن الجنون:
“..ولكن لا أريد أن أراه، أو لا أجرؤ، أو لا أقدر على رؤيته، و”بري” كان يراه”
إنك ترى كيف تتجلى شخصية البرغوثي باسمها الحقيقي وضميرها المتكلم عندما تحضر شخصية بري، بل يمنح هذا التركي سلطة على عقله لا يودّ الخلاص منها، ويبكي على فراقها، … كم كنت تحب أن تكون مجنونا يا حسين، لكنك عوضا عن ذلك أنت مجرد دكتور في الأدب المقارن من جامعة واشنطن، لديك شهادة تبصم لك بأنك عاقل! أعتقد أنه استخدم الشخصية المناقِضة لتفسير ذاته، وبضدها تتميز الأشياء، والطيور لا تقع من أجل أشكالها يا أصحاب، الطيور تقع بطلقة قنّاص، والبرغوثي كان يقع مصابا في كتفه بلا شك..
بقية الشخصيات كذلك – في نظري- مجرد تجسيدات تدعم وجود البرغوثي، هي ذات التناقضات التي صورتها “ألف شفق” في شخصيات دمى، لكنني أحببت أكثر طريقة البرغوثي، أنا غالبا ما أميل للمتلاعبين.. وهذه مشكلة!
بيدي الآن مذكرات سيمون دو بوفوار .. لم أكتفِ من الكتابة للخلاص من الضوء الأزرق فوق رأسي، لكن هذا يكفي الآن.
عشرون سيرة ذاتية| 3 ثيمة الذاكرة – مارك توين
للذاكرة حيلتها الانتقائية الغامضة في التلاعب في المشاهد، من حيث الوضوح، الترتيب، الحسّ الشعوري المرافق، غير أنّك كلما ضغطتها وتركتها لتتعتّق بفعل الزمن وحِدّة التراكم، وصلتْ إلى التركيبة الخاصة اللائقة بك، الحاذقة بشكل ممتع! أعتقد شخصيا أن انغمار المشهد تحت سنوات عديدة من عدم الاستحضار يجعله أكثر عرضة للانشطار عن شعورك، تقرأ كتاباتٍ قديمة وتسأل نفسك: من هذا الشخص؟ أحيانا ستجد شخصا يمكنك مصادقته، أحيانا ستُعجب به، وأحيانا أخرى ستقرر أنه من “النوعيّة” التي لا تروق لك، هذه هي الحذاقة الممتعة، والمتعة تكمن في أننا غالبا ما نحاول استحضار المشاهد على نحو يجعلها متسقة مع شعورنا الحاضر، نتلافى الانفصال، إذا كنت في مزاج جيد ستبدو طفولتك رائعة، والعكس! وأحيانا نصبها في قالب شعوري مُناقض، ستحكي لصديقك كيف عاقبك معلمك وأنت تضحك، في حين أن هذا بالضبط مالم تكن تشعر به وقتها، تقرأ في يومياتك القديمة تفاصيل مكثّفة الشعور بينما أثناء قراءتك تشعر أن الأمر مبالغ فيه، ربما نحاول حماية أنفسنا من الشعور مرّتين بما لم نصدّق أننا تجاوزناه مرّة.
المرّة التي تخلصت فيها من دفتر يومياتي الأول، كانت عندما نقلتُ غرفتي إلى المنزل الجديد، وكنت قد مللت من تخبئته فركنته، عُدت لقراءته بعد أن بلغت نحو الخامسة والعشرين، أي بعد عشر سنوات من آخر صفحةٍ كُتبت فيه، ضحكتُ كثيرا، ثم استثقلت مبالغات فترة المراهقة المطبوعة عليه، فقررت أنني لست بحاجة إليه وتخلصت منه، ندمت على ذلك لاحقا، لكنني أزعم أن لديّ ذاكرة ممتازة، تذكر الموجود فيه بنصوصه أحيانا، كان الانتقائية الواعية التي مارستها على هذا الدفتر المسكين نوعا من الرغبة في توحيد ثيمة الشعور بين مامضى وما أعيشه، قررت أن الثيمة هي الشعور بالخفّة، والتخفف من هذه المبالغات، ذات الثيمة الانتقائية التي تجعل رجلا فقد جميع أخوته وزوجته وابنته ووالديه وشارك في حرب أهلية، يستحضر حياته في المجمل بأنها “حياة في غاية البهجة” ، إنه أيضا يحمي نفسه من الشعور مرّتين بما أنهكه الشعور به لمرّة..مارك توين.
*مارك توين
” كم يبدو لي غريباً وعجيبًا أني عشتُ، وعشتُ، وعشتْ..وواصلت العيش في هذه الحياة..”
مذكرات الكاتب الساخر مارك توين (1835- 1910) ، هي ما كنتُ أبحث عنه منذ أن بدأت القراءة في السير الذاتية، اللغة السلسلة، سحب القارئ لملعبه الخاصّ، القصص المتوالية، التسلسل التاريخي..العائلة، الأصدقاء، العمل، النجاحات، الفقد.. يقول عن فقد ابنته المقرّبة:
” الآنسة جين ميّتة! أظنني أعرف الآن كيف يحسّ جنديّ تخترقُ رصاصةٌ قلبَه”
دون أن يفقد المحاولة في الشعور بالخفّة – إجمالا – :
” إنّه سرّ من أسرار الطبيعة البشريّة أن يتلقى الإنسان دونما أدنى استعداد منه صاعقة كهذه ويبقى مع ذلك على قيد الحياة..”
عشرون سيرة ذاتية| 2 الذكريات الصغيرة وساراماغو
“إذا كنت مصرّا على قراءة هذا الدفتر فـ نعم .. أنت مقصود به“
كان هذا آخر سطر في الخطاب الافتتاحي ليوميّات الصغيرة، والتي تحتوي على عدد لا بأس به من الاعتراضات على أفراد العائلة والمدرسة والزميلات، تلك التفاصيل الصغيرة كانزعاجي من باب غرفتي الذي ضاع مفتاحه، أو غضبي من كون فترة الفسحة لا تكفي للشراء من المقصف الذي تحتله الفتيات الأضخم حجما، أو شتائمي لأختي الكبرى التي لم أفهم كيف لها أن تتصرف بكل هذه الغيرة، في إحدى الصفحات أذكر أنني شخّصت حالتها وأعطيتها وصفًا طبيا، بعد ذلك بدأت أتعاطف معها وأعبر عن حبي، وهي لا تهتم لأي من هذه التفاهات، كنتُ أكتب عن والديَّ أيضا، في البدء كتبتُ بعمومية وترميز ودون ذكر تفاصيل واضحة على طريقة ألف شفق، لكنني مللتُ بعد عدة صفحات وشعرت أنه لا قيمة لما أكتب مادام لايعبّر بشكل حقيقي، ثم صرّحت بكل شيء، وبما أن دفتر اليوميّات على هذه الحالة أصبح ملغّما بالاعترافات كان لا بد من ذلك الموشّح التحذيري، وعلى طريقة الـ (خاربة خاربة!) قررت أن أبيّن لمن يسطو عليه – من العائلة على الأرجح- أنني فعلا أقصده… لا أعرف ما الداعي لهذه العبارة مادامت الأسماء صريحة في الداخل، أعتقد أنني كنت أحاول الحصول على أفضلية الاعتراف بدل أن يحصل الآخر على أفضلية وضع (الكشف بالجرم المشهود) كان هذه طريقتي الدائمة، عندما أقوم بأمر مخالف، وأعرف أن الأمر قد كُشف، أستبق لحظة المواجهة وأذهب إلى والديَّ وأعترف بنفسي.. لطالما كرهت الهروب من المواجهة، وهذه ليست بطولة بقدر ماهي رغبة في تفادي حالة الطرف المهزوم، الأمر الذي بقيت أتفاداه حتى الان..يروي ساراماغو: “ اترك زمام أمرك للطفل الذي كُنته”
*الذكريات الصغيرة، ساراماغو
انتهيت البارحة من مذكرات الأديب البرتغالي جوزيه ساراماغو الحاصل على جائزة نوبل ( والحصول على جائزة نوبل لا يعني شيئا) ، مجموعة من المشاهد الصغيرة في نحو ١٨٠ صفحة التي يعتقد ساراماغو أنها دون سواها الأكثر تأثيرا في شخصيته، وبدون انتظام تاريخي، شجارات العائلة، غيرة الأنداد، سرقة الشوكولاتة، لحظة البلوغ، الفتنة الأول،تجربة الصيد، الصور الفوتوغرافية…، لفت نظري هذا المشهد:
عندما كان في المدرسة كان الطالب الأنجب يجلس بجوار الباب ليتولى مسؤولية فتح الباب وغلقه وكانت هذه مكانة تشريفية عالية، قررت المعلمة ونظير تطوّر مهارات ساراماغو في الكتابة أن تُجلسه عند الباب لينال شرف هذه المسؤولية، لقد منح هذا التصرّفُ البسيط ساراماغو شعورا كثيفا بالتقدير، يقول:
“ لم أجد أمامي سوى خلع الملك السابق من فوق عرشه..أعبر الفصل أمام نظرة زملائي الحائرة، أهي نظرة إعجاب أم حسد؟ ويقلب يخفق، أجلس في مكاني الجديد… عندما منحني “نادي القلم” جائزة عن روايتي “عندما تنهض من الأرض” رويت هذه الواقعة لأؤكد أنه لا توجد “لحظة مَجد” حاضرة أو مستقبليّة من الممكن أن تقارن بتلك اللحظة.. ولا حتى أن تكون ظلا لها! .. مع ذلك لا أستطيع أن أكف عن التفكير في الصبي المسكين الذي طردته المعلمة ببرود من مكانه..”