في وداع سنة مُرتَجَلة 2023!

تبدأ السنة الجديدة بالنسبة لي في السابع من نوفمبر من كل سنة، عشيّة يوم ميلادي، أحتفل وأقيّم عامي، وأخطط للعام الجديد، سنة 2023 لم تعطني رفاهية التوقف في شهر الميلاد، حتى الآن، وهذا بمثابة عنوان لتلك السنة، وثيمتها!

الملفّات:

أحبّ التخطيط، وهو طريقتي في التكيّف مع كمّ الأفكار المتخلقة في ذهني كل يوم، طريقة صحيّة، الطريق الأخرى هي القلق! وهذا شيء يصعب شرحه لمرتاحي البال على الدوام. التخطيط ينظّم أفكاري، ويفلترها، ينتقل بها من حالتها الأوليّة: تسونامي يجتاح دماغي ويستنزف مشاعري، إلى ملفات معنونة ومنظمة، ومفهومة، وبهذه الطريقة أمتلك الزمام – لحدٍ ما- .

 ملف الأحلام: وهو أكثر الملفات ضآلةً لا أستغرق في الأحلام كثيرا، الخيالات؟ نعم .. لأنها ممتعة، أما الأحلام فلا، فأنا لا أحلم إلا بأهدافي، ملف الأهداف؟ متضخم، ويستهلك وقتا أطول في فلترته وتهدئة روعه، أن تكون لك نفس توّاقة هو شيء رائع، لكنه مضلل في أحيان كثير، فأستغرق وقتا جديا في فلترة الحقيقي من هذه الأهداف، والمضلل منها. ملف الترّهات: وفيه أرمي الأفكار الحَشويّة -Fillers- الفارغة من المضمون، والخطيرة أيضا! لأنها من الممكن أن تتخذّ شكل فكرة حقيقية تشغلني وتقلقني، بينما هي في الأصل مجرد ملء فراغ أنتجها عقل لا يعرف الهدوء، وأخيراً: ملف القرارات، وهي التخلّصات التي أقرر عدم نقلها معي للسنة الجديدة، وتلك التي أريد أن أبدأ بها السنة الجديدة.

ارتجال!

لو كان لسنة 2023 عنوانا كبيرا، فسيكون “ارتجال” وقد بدأتُ التدوينة ببيان علاقتي مع التخطيط، لأضع سياقا سليما يوضّح فداحة الارتجال عندما أمارسه، وهذا لا يعني نتائج سيئة، بقدر ما يعني احتمالية كوارث متعددة على الطريق، وحالات طوارئ، وصفّارات انذار، والحقيقة أنني في نوفمبر 2022/ملف القرارات: قررت أن أمنح الارتجال مساحة أكبر في حياتي لأجرب مستوى مختلفا من العيش، وأول قرار في ملف القرارات لسنة 2024 هو: “فكّينا من الارتجال يا ست!” خلاص! اكتفيت. هذه حياة رائعة بالفعل لكنها لا تناسبني، أعني حياة يغلب عليها الارتجال.

أن ترتجل يعني أن تمتنع بوعي عن التخطيط والتهيئة، ولقد فكرت في هذا القرار -سنتها- لأنني أردت أن أرفع من شاعريّة حياتي! فيما سبق تلك السنة كنت أعمل على رفع الجودة وعندما حققت الجودة التي أرتضيها، خطر لي: قليل من الشاعريّة لا يضر! فكل الحضارات تمارس الارتجال عندما تريد أن تبدع، يمارسها المغنّي في العُرب فيُطرب، ويمارسها الشاعر في المحاورة فتنتشي القبيلة، ويمارسها المسرحي في عرضه فيمتلك الشخصيّة، فلم لا أرتجل؟ وكما يحدث مع الفنون فقد يكون الارتجال بارعا يشبه معجزة، وقد يكون مُربكا يشبه نكتة باردة، واللعب على الخط الفاصل بين الاثنين هو بالفعل شعور الهاوية، لقد شعرت طيلة سنة 2023 أنني على الحافّة، لا أفعل شيئا سوى أن أغمض عينيّ وأقفز، وأهوي! وحدثت لي معجزات، وعانيتُ نكتا باردة، وعايشت الاثنين معا في وقت واحد في مواقف كثيرة، وبقدر ما كان ذلك رائعا، بقدر ما كان كئيبا.

المعجزات:

عندما أخطط لحياتي فأنا ألخّصها -للتبسيط لا الحصر- في ثلاثة محاور (الذاتية/ الاجتماعية/ المهنية) ، الجزء الذاتي لا ألعب فيه! فقد كان مخططا، انضممت إلى برنامج سنوي في تأهيل سلوكي ومعرفي مصمم بالتحديد للكيمياء المتلاعبة بدماغي، أما سوى ذلك فارتجلت ارتجال من لا يخشى الغد، وقد حدثت معجزات، قد أشاركها لاحقا.

النكتُ الباردة:

لا أهتم كثيرا بمشاركة أحداث شخصيّة، فلست أحب التدوين كنشرة أخبار، وما أعتقد أنه يستحق المشاركة هو معاجلتنا لهذه الأحداث وكيف وصمت شخصياتنا، أو عرّفتنا على مشاعر جديدة، مالم يكن جيدا في الارتجال، هو الذي جعلني أعرف بشكل قطعي مالا يناسبني، لا تناسبني الحياة الفوضوية، غير المخططة بقدر كاف يضمن جودتها العالية دون أن يفقدها حلاوة الحماسة والفضول، ولقد اهتزت جودة حياتي وأعطتني طعم النكتة الباردة، وكان ذلك ثمن المعجزة، وهذا ما جعلني في المجمل سعيدة، مثخنة لكن سعيدة.

سنةً لا تنسى:

إن كنت لا أنسى سنة 2015 باعتبارها أسوأ سنة في حياتي – المريح أنني أعرف أنني لن أختبر أسوأ منها- ، فبدون شك فإن سنة 2023 لا تُنسى باعتبارها أغرب سنة في حياتي، وهذا ليس وصفا سلبيا، بل مجردا، حيث جربت الاغتراب على كل مستوياته، جربت نفسي خارج هويتها، وداخل هوياتٍ جديدة، أرعبني ذلك، ثم أحببته وولعتُ به، واكتفيت -حاليا- منه.

كيف كانت سنتكم؟

20 thoughts on “في وداع سنة مُرتَجَلة 2023!

  1. كانت سنة حافلة زاخرة بالأحداث اللامتوقعة، سنة التخطيط وسنة حدوث كل ماهو غير مخطط له! سنة عجيبة غيرتني كليًا صيرتني لا كما أريد مع الأسف!)

Comments are closed.