عند تدفّق التغريدات في تويتر ، خطفت اهتمامي هذه التوصية القرائية، ولأن كلمة (الإنتاجية) تشغّل حساسات الإدمان العملي داخلي (التي تخلصت من عبئها إلى حدّ كبير) فقد حفظت المقالة فورا لقراءتها، والتي كانت مادة نقاشية مليئة بالشتائم في لقاء صباحي مع صديقتي نوال، (على غير المتوقع من مقالة تهدف إلى الحب والسلام) ولكننا كنا نجسّد ذلك الغضب المتفجّر من تحت أكوام من إلزاميات الإنتاجية والنجاح، والكثير من الشروط وعبء التعريفات لمعنى لحياة وربط كل ذلك في صفحتك على لكند إن في عالم يتباهى بالإنهاك الوظيفي، عدت إلى المنزل وقررت ترجمة المقال، ليصل إلى شريحة أكبر، ورغم أنني في غنى عن القول أن المقالة تمثّل كاتبها وكاتبها فقط، إلا أن ترجمتها ونشرها يستلزم توضيحا إضافيا أنني لا أوافق بالضرورة على كل تفاصيل المقالة ، لكنني بالتأكيد أشجع على مناقشة محتواها، وفتح حوارات حول الوارد فيها، علما أنني ارتحت أثناء ترجمتها إلى حد التصرف في بعض الصياغات والعنونة بما لا يتعارض مع معنى النص:
المصدر: هنا
كثيرا ما أجد الحياة تعلمني نفس الدرس من خلال عدة مسارات في حياتي وفي نفس الوقت. كل ما علي فعله هو الاسترخاء وملاحظة ما تحاول الحياة قوله لي، (وتدوين بعض الملاحظات) ، هذا ما يحدث الآن مع فكرة أن :”كلُّ شيءٍ ..موسميّ!” ، وهي ليست فكرة جديدة بأي حال من الأحوال. فقد جسدتها بعض الأمثال القديمة مثل: “هذا الوقت -أيضًا- سيمضي”، و “لكلّ شيءٍ أوان” كما في آية من الانجيل.
ولكن؛ لهذه الفكرة تبعات مهمّة على حياتنا الحديثة. فلقد بدأت أدرك أن مفهوم (الانتاجية الشخصيّة) هو مجرد موسم من مواسم حياة البشر، ومجرد مرحلة مؤقتة نعبرها جميعا في طريقنا نحو أشياء أخرى. (الانتاجية) كما نعرفها هي إلى حدٍ كبير مفهوم مبتدئ، يُلبي احتياجات المبتدئين في حياتهم المهنية، أو الذي انتقلوا إلى دور وظيفيّ يتطلب حدًا أعلى من الانتاج الشخصيَ.
مرحلة ما بعد الانتاجيّة لدعم حياتك المهنية:
إن السبب في كون (الانتاجيّة) مجرد مرحلة يعود إلى أنها -نسبيا- دعّامة ضعيفة، نقصد بـ(الدعّامة) القدرة على الحصول على المزيد ببذل جهدٍ أقلّ، فإنك عندما تستخدم الدعّامة/الرافعة لرفع صخرة هائلة بينما أنت عاجز عن رفعها بقوّتك المنفردة، ذلك أنك تحتاج إلى الوصول إلى مستوى معيّن من (الكفاءة) في (انتاجيّك الشخصية) التي حالما تصلها ستكون قادرا على تطوير (الدعّامات) القويّة لحياتك من مجرد الاتكاء على (الإنتاجية)، وذلك ما يجب عليك فعله إن أردت أن تحقق المزيد بعملٍ وجهدٍ أقل. فما هي مصادر (الدعم) الأخرى؟ إليك عدةّ خيارات:
1.القدرة على العمل مع الأخرين، وإدارتهم: وهذه أحد أهم المصادر الهائلة لدعم ورفع حياتك المهنية، سواء من خلال:
أ. توظيف الآخرين،
ب. أو التعاون معهم،
ج.أو التعاقد معهم كمصادر خارجية،
د.أو تفويضهم،
هـ. أو تدريبهم،
و. أو الاستثمار فيهم
فإن النتائج التي يحقّقها شخصان فأكثر ستكون دائما أكثر بكثير مما يمكن أن يحققه أكثر الأشخاص انتاجيةً، بمفرده.
2. صناعة المحتوى: وبالمحتوى أقصد: منتج معرفيّ يمكنه أن ينتشر ويؤثر بدون أن يتطلب ذلك تدخّلا مباشرا منك، ينتج المحتوى قوة داعمة لك من خلال خلق (قيمة) باستقلال عن وقت واهتمامك، وليس فقط يمكن توزيع هذا المحتوى في أي مكان في العالم من خلال الانترنت بل يمكن الوصول إليه من خلال عدد غير محدود من الناس بالتوازي، في أيّ وقت ليلا أو نهارا، ومجانا – تقريبا- . يخطر لي أن كل ما أصنعه من محتوى تدوينة، وتغريدة، وفيديو يوتيوب، وحلقة بودكاست هي مُبشّر صغير ينطلق إلى العالم – نيابة عنّي- مبشرا برسالتي. ما حجم موظفي المبيعات الذي يتطلبه تكرار هذا الوصول؟ بل ما عدد السنوات التي كان عليّ العمل فيها منفردا للوصول إلى – حتى – 1% من كل هؤلاء الناس؟!
3. النمو الشخصي: قد يكون صعبا إدراك هذه النقطة! إن جوهر (الدعامة) يتمحور هو حول طرق مصادر جديدة من القوة، خاصة تلك القوى الخفيّة، غير المقدّرة، أو التي يصعب الوصول إليها، تلك القوة الكامنة في الأشخاص الآخرين، وفي المؤسسات، وفي الثقافة، وفي الفن، وفي المحيط الاجتماعي، وفي المباني، وفي البُنى التحتيّة، وفي المجتمع المدني، ولكن؛ هناك مصدر واحد للقوة متاح لكلَ أحد: القوة الكامنة السّارية من خلال جسم الإنسان، وقلبه، وعقله – ولا أدري مصطلحًا أفضل من- روحه، ولا أعرف كيف أشرح ذلك، ولكن هناك نهر من الطاقة الخالصة تتدفق عبر كل إنسان، هي تلك التي نستفيدها من خلال اليوغا، والعلاج، والتدوين، والأحلام، والمفرّحات المخدّرة، وغير ذلك من ممارسات التشافي. وإن لم تكن مهتمّا بالميتافيزيقيا (الماورائيات)، اعتبر الأمر أنه طاقة محتملة مخزّنة في جهازك العصبي، ليس مجرد تلك النبضات الكهربائية المنطلقة خلال أعصابك، بل احتمالية وجود ذلك الفعل البشري الكامن في جهازنا العصبي. ولقد صادفت مؤخرا نموذج عمل يسلط الضوء على كيفية الاستفادة من مصدر الطاقة هذا، حدده مايكل بكويث، مؤسس مركز (أغابي) -وهو مركز يحوي مجتمعا عابرا للطوائف (لا منتمي)- ، مقرّه في لوس أنجلوس.
نموذج بكويث لمراحل النمو الأربع:
يصف نموذج بكويث أربع مراحل يعبرها الناس في رحلتهم نحو النمو الشخصي والتمكين:
في المرحلة الأولى: إن الحياة تحدث (لي) ، أي إنني لا أملك أي سيطرة على ما يحدث وأنا تحت رحمة أفعال الآخرين، هذا ما يسمى بـ (عقليّة الضحية) التي يهيمن عليها إلقاء اللوم على الآخرين، والشعور بالخوف، والافتقار إلى السيطرة.
في المرحلة الثانية: إن الحياة تحدث (بواسطتي) ، حيث تبدأ في هذه المرحلة التمكن من الولوج إلى قواك الداخليّة، وتعزز كونك (فاعلا) في حياتك، مسيطرا على أفكارك ومشاعرك، وتوجيه كل ذلك نحو تحقيق أهدافك. تتحمّل مسؤولية حياتك، ومسؤولية إتقان التأثير على الآخرين، والعالم!
الانتقال من المرحلة (الأولى) إلى المرحلة (الثانية) هو انتقال في غاية التأثير، لذلك هو محور معظم أعمالي حتى الآن: منح الناس المهارات والأدوات لتحديد الأهداف، والتخطيط، وجمع المعرفة، والعمل على التنفيذ بفعالية.
المرحلة الثانية، هي المرحلة التي تكون فيها (الانتاجيّة) بازرة، مرحلة حدودك القصوى في أن تفعل ما يجب عليك فعله، إنك شخصيا وقدراتك في عنق الزجاجة، ومع محدودية ما يمكنك تحقيقه بشكل شخصي فإنه سيتوجب عليك أن تشرف بنفسك على سير الأعمال وفق ما خططت. ولكن إلى متى؟! ففي نقطة ما ستصبح هذه المرحلة مُنهِكةً لك، حيث قد حققت مستوىً معينا من النجاح والاستقرار، ولكنك حينها ستتساءل: هل هذا كل شيء؟! ستبدأ في التطلع إلى ما بعد تحقيق المتطلبات اليومية الأساسية، وتحدّق في الأفق البعيد، ستشعر بالجوع لشيء أسمى، شيء أبعد من … نفسك. راسلني أحد طلابي مؤخرا، واصفا ذلك وصفا بديعا، إذ قال:
“في مرحلة ما من الحياة، تنظر حولك، وتقنع نفسك بأنك لست عظيما! إذ أنك لم تفعل هذا وذاك مما ادّعيت أنك ستفعله، أو حصلت على فرصة فعله، إنك لست حيثما ظننت أنك ستكون في حياتك.
في هذه المرحلة، تتبدّى أمامك عقبة في الطريق، إما أن تستمر في محاولة ملء هذا الفراغ بإحداث تغييرات خارجيّة لا يمكنها أبدا إشباعك، أو أن تنحى بالبحث عن الحلول نحو داخلك. سيتطلبك ذلك التعرّض لصدمة نفسيّة و/أو إنذار صارخ، أو أن تلتقي بشخصٍ يرشدك، لأن تفتح قلبك وبصيرتك للحقيقة.
كلّما نظرت إلى أعماقك وتلمّست الخير هناك، كلما اتّصلت وتلمّست الآخرين. أتفهم ..عليك ارتداء قناعك أولا قبل مساعدة الآخرين على متن الطائرة، تلك تعليمات الإنقاذ، لن تتمكن من مساعدة الغير إذا كنتَ .. أنت نفسك.. عاجز عن التنفّس”
الانتقال الذي يشغلني هذه الأيام هو الانتقال من المرحلة (الثانية) إلى المرحلة (الثالثة) ، من (تحدث الأمور بواسطتي) إلى (تحدث الأمور من خلالي) ، باختصار: من (أن أفعل) إلى (أن أكون) وهذا انتقال أصعب بكثير من سابقه، لأنه -ومن عدة نواحٍ- يتطلب نهجًا معاكسا! ففي المرحلة (الثالثة) تترك وهم السيطرة والقوة، تستسلم أمام الحاجة الملحة لإدارة كل شيء، تبدأ في التطور نحو الشعور بأنك بعضٌ من كُلّ أعظم، أنك قناة لعبور قوة، أو إرادة، أو فكرة أسمى تُريد أن تنبثق من خلالك. وتلك تجربة مخيفة! لأن القوة العظمى لا تعبث! إذ توكزك نحو اتجاهات معيّنة، تدفعك وتسحبك نحو الدروب الطيّعة، الأقل مقاومة، فإن استمررت في المقاومة، فإن تلك الوكزات الخفيفة ستتحول -أحيانا- إلى طعنات.
هذا هو التحوّل الذي أكابده الآن، ففي السنة الماضية، أصبحت أبّا ومالك منزل، وصاحب عمل، وفجأة، أصبحت مسؤولية رعاية مجموعة من الناس جاثمة على صدري، عليّ اتخاذ قرارات ستؤثر على مصير الآخرين، ناهيك عن خسارة نصف وقت فراغي، ونصف طاقتي، ونصف ساعات نومي. عليّ الآن أن أتعلم كيف ألتزم بضمان النتيجة حتى عندما لا أكون مسؤولا بشكل مباشر عن تنفيذها، علي أن أتعلم كيف أسمح للآخرين بأن يخطئوا الأخطاء التي لم أكن لأفعلها، حتى يحققوا الإنجازات التي لم أستطعها، لقد تغيّرت الطرق التي كنت من خلالها أضيفُ القيمة، وأتلقى التقدير والاعتراف بها، من طريقة : المحاولة الدؤوبة لأن أكون أذكى شخص في المكان، إلى أن أفعل كل شيء ممكن لئلا أكون ذلك الشخص!
المرحلة الرابعة: لا يوجد لدي خبرة فيها! لكنني سمعت من الآخرين محاولة وصفها، حيث لا تعود الحياة تحدث من (خلالك) ، بل تحدث (بك) ، لأنه لم يعد هناك تمييز بينك وبينها، أفكار الانفصال عن الحياة تفقد قوتها، أنت هي ذاتها، إن سخرية الحياة، ومفارقاتها، وبهجتها، تحدث في مركزها، إذ تأخذ القوة العظمى زمام القيادة في حياتك، حينما تتخلى أنت عن القيادة طواعية. لقد قيل لي: إن المرحلة (الرابعة) محلّ سرمديّ لامتناهٍ، تشعر فيه أنك متحدٌ مع كل شيء وكل أحد، واحد تذوب فيه هويتك الشخصية، واعتدادك بنفسك، ليس بالتحول إلى العدم، بل إلى الوحدة، كل ديانة وطريقة روحيّة حاولت أن تصف معنى هذا المكان من الفناء والاتحاد في آن، ولكن عجزت كل اللغات عن احتواء هذا المعنى.
في المرحلتين (الثالثة) و (الرابعة) اللتان تمثلان حدود النمو الشخصي. إذ تحيّد ذكاءك ومنطقك جانبا لتمشي هذا الطريق، فالنهج المعتاد لتحديد الأهداف، والغايات، ومهارة حل المشكلات لن يخدمك، ومحاولاتك لإصلاح وحل التحديات التي تواجهها هنا ستؤخر عبورك إياها فحسب. فالطريق للتقدّم الآن هو: القبول والتجاوز، وحتى تعلّم محبة تلك المقاومة التي تجدها داخلك، لأن كل مشكلة تجدها في خارجك ليست إلا جزءًا فيك لم تتعلم محبته بعد، إن العالم محايد، نحن نصنع المشكلات.
الثمن الذي تدفعه لتكون جزءا من كلٍّ أعظم، هو تخلّيك عن وهم السيطرة عليه، أن تستلم لإرادة الكون (أو الله، أو القدر، أو الانتروبي/المطلق) وتثق بأنك ستجد موطنك فيه.
الإنتاجية مجرّد مرحلة، لكنها أيضا بوابة للتسامي.
عارفة قد ايش موضوع “الانتاجية” يسبب لي تضارب وحساسية في نفسي؟ جزء من العقل يقول لي لازم تسوي وتحققي وتنجحي ويسير لك اسم/legacy. وجزء بنفس الحجم في داخلي يدعو بشكل مستمر إن الحضور القوي في الحياة ماهو ضروري أبداً، بسبب بسيط، مو نهاية العالم.
السنتين الأخيرة (مع الحبسة طبعاً) كان لها التأثير الأكبر. ركبت الموجة وعملت وفعلت… بس في الشهور الأخيرة سرت أبغى اعتكف وأنتهي في مكان مو شرط بعيد والا منعزل، لا، مكان مريح، إش ما كان شكل الراحة هدي.
بالنسبة لي فأنا أكتفي بإسناد ظهري على الكرسي لكتابة الملاحظات.. هذا ما أكتفي بمنحه للعالم الان في هذه المرحلة من حياتي :).
الانتاجية تنمو في ظروف معينة وتقتلها ظروف أخرى.
لا يمكن للانسان أن ينتج أفضل مالديه اذا أرغم نفسه.
الانتاج الحقيقي يحتاج مزاج :)