عندما يبدو العالم ظريفا:
وأنت طفل بالكاد تنطق حرفي ميم وباء، يواجهك العالم بظرافته: ماما ولا بابا؟ وأنت مُلام إذا انحزت لأيهما فكل الإجابات خاطئة حتى “الاثنين معا”، ذلك قبل أن تعرف ماهو الابتزاز العاطفي.
تحبو، وما أن تمشي خطوتين عرجاوتين، يضعك العالم في ماراثون الوصول إلى حضن والديك: أسرع! يتحديان نموك الطريّ المتمهّل بحشرك في عربية مدارة بعجلات مجنونة..امشِ..أحسن ..أسرع! ذلك قبل أن تعرف ماهو السباق، الفوز، السقوط المشين!
تبصر العالم ملونًا وقبل أن تطوّر أي شعور مفضّل، يفاجئكَ العالم باللون الأزرق، ويفاجئكِ باللون الوردي، يمنحكَ سيارة، يمنحكِ عروسة، عليكَ ألا تبكي كفتاة، عليكِ ألا تتحدثي كصبي.
وما أن تخطَ حرفا وتحمل حقيبة حتى يعود العالم لمواجهتك بشكل أقلّ ظرافة، أكثر صرامة، وكل الأعين تجاهك معبأة بالأحكام، ثم يسألونك: ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟ أنت هنا ..محاصرا في منافسة لم تخترها، تحاول أن تجيب أي إجابة تجعلهم يقبلونك، يقبلون لونك وانحيازك ومفهومك الخاص عن الفوز … لكنك تتوقف برهة لتغشّ الإجابة مما كانت أمك تدعو لك به أمامك: أن تكون إماما أو طبيبا أو طيارا، أما أنتِ .. فـ “الله يستر عليها”
تكبر منفصلا عن ذاتك التي لم تتعلم كيف تتصلّ بها، أو تصغي إليها، تدخل في ميدان البالغين فيخبرك العالم مجددا: ماهذا التأخير؟ لا عربات بعجلات مجنونة تنقذك فتغوص في المقارنة واللوم، يسألونك: أين شغفك؟! ، يدفعونك نحو الناصيّة بأحلام مستعارة لتقاتل. تقاتل ببسالة على ناصيةٍ لا تعرفها، من أجل حلمٍ توهمّت أنك اخترته! إن فزت فلا الفوز فوزك، وإن خسرت فما أقلّكَ!
العالم، ليس ظريفا كما ظننت:
إننا جميعا نرتبط بالسياق السابق، اللعبة الأكثر شيوعا في هذه الحياة، نبتلع أحلام مزيفة من أجل الحصول على حاجاتنا البدائية: الحبّ الصرف، القبول، والتقدير، إن ما يحدث لنا في طفولتنا وإن بدا بسيطا وهامشيا وظريفا لكنه في الواقع يعيد تشكيل وتزييف حقيقتنا، قد نقضي عمرا مؤمنين بقضايا نظن أننا نتبناها، ونقاتل عن أحلام نظن أنها خرجت من قلوبنا وخيالنا، لكن لو توقفنا لنسأل أنفسنا عوضا عن الاكتفاء بالإجابة عن أسئلة العالم، لربما عرفنا أكثر.. من نحن حقا؟ وما هي أحلامنا.
إن هذا التوقف، فالسؤال، فقبول الإجابة، ليس سهلا، فأنت هنا تواجه تاريخا من الأفكار والمشاعر المعقدة، وأيضا تواجه توقعات العائلة، وما أحبّك لأجله رفاقك، تواجه نفسك فوق كل ذلك، لذلك تحتاج – وربما لأول مرة في حياتك – إلى الشجاعة حقا.
شجاعة التخلّي:
في عالم يطالبك دوما بالتمسّك بأحلامك، يحفّك بجنون اللامستحيل، ومسرحيات قتال النواصي، وصور (قبل/بعد) ، وطوفان قصص الناجحين الذين تمسّكوا بأحلامهم .. أقول لك: استسلم!
إن الاستسلام يتطلب شجاعة لا تقل عن التمسّك، شجاعة أن تكتشف نفسك وما تريد، ما يرضيك، ما يحقق لك المحبة والقبول والتقدير، بغض النظر عما قدمه لك العالم من قصص ومتطلبات، بغض النظر عن دعاء والدتك، ودعم والدك، أن تكتشف نفسك الحقيقية بين كل هذه السلاسل الوهمية المستعارة عن صورتك، وتتخلى عنها، يتطلب شجاعة.
شجاعة أن تقبل التيه، شجاعة أن تقبل أنك لا تعرف ما تريد، شجاعة أن تحب كونك بلا أحلام مستعارة دون أن تفقد تقديرك لنفسك.
من فترة طويلة ماقرأت تدوينة وخلتني اندهش مثل الان دهشة من اختيار الموضوع وسرد الأفكار
رائعة جدًا منال🤍
تسلمين يا هالة♥️
Pingback: قرار الاستقالة لم يكن صعبًا! - مدونة م.طارق الموصللي
عودًا حميدًا، وشكرًا على شجاعتك في كتابة هذه التدوينة الرائعة
أهلا محمود بك وبكل رفاق التدوين☺️
نص واقعي جدًا!! شاكرة لك حقيقة هذا الوصف الدقيق، دائما ما انبهر من مدى تشابهنا كـ بشر “داخليًا” بالرغم من هذا الاختلاف الشاسع من الخارج. .
بانتظار المزيد منك🤍.
♥️♥️♥️
يا سلام عليك
♥️
من فتره تدور وتدور هذه الفكرة في راسي .ارى العالم يضغط تارة علي وتارة اخرى يركض خلفي
تكبر تجد نفسك ملاحق بكلمة ادرس ادرس ادرس
تتخرج لتدخل في دواة اعمل اعمل اعمل
ثم فجاة تزوج تزوج تزوج
ثم من الافضل ان تتخلى بشجاعة ..
شكرا لك 💕
أنتِ نحن منال .. كلنا هذا
وكلنا متعبين
كلنا عاش هذه التجربة للاسف، أؤكد على ضرورة (الاستسلام عند الضرورة), و ليس هناك في هذه الحالة أحسن من الاستسلام المبكر، شكرا على التنبيه، هناك أمور كثيرة في انتظار الاستسلام.
حقا