ليالي الأُنسِ في پاريس

لم تكن پاريس في إييل دو فغا هي وجهتي التي حجزت إليها، لكنها المدينة التي اختارتني لأكون فيها في الشتاء المنصرم، دون سابق تخطيط وبينما كنت في السّاحة الكتالونية مع جموع مشجعي برشلونة قلت لنفسي: باريس؟ لم لا؟! وهذه ليست تدوينة سفر ولا رحلات، لأن أوّل ما خطر لي هو قصيدة جيمس فينتون ( معكِ في پاريس ) وقد تبدو لك قصيدة رومانسيّة لكنه يقول فيها:
“لا تتحدث معي عن الحبّ، فلنتحدث عن [ پاريس ] “

كنت قد امتلأت قلقا مما فاجأتنا به الرحلة من مطبّات هوائية عنيفة، احتبست عيناي دموع قلق حتى امتدت نحو يدي كفّ امرأة فرنسيّة أربعينيّة قالت بانجليزية معطوبة: “لا أعرف الانجليزية لكنني أعرف أن أقول هذا طبيعي ..هذه المطبات طبيعية، لا تخافي” ثم أشارت إلى الصفّ المقابل حيث يجلس ابنها وأمرته بأن يأتي ليطمئنني (شكرا!) ثم قدمتني إلى زوجها الذي استمر في تطميني، وبالفعل بقيت العائلة ملازمة لي، حتى الهبوط، أمرت ابنها أن يحمل لي حقائبي رغم أنني لم أحتج لذلك، وقبل أن نخرج من المطار ونظرا لهذه الحميمية التي بدأت من السّماء، كنت أردد في قلبي: “لا تتحدث معي عن الحبّ؛ فلنتحدث عن پاريس”

في جوار نوتردام أُطلّ شرقا نحو كاتدرائية نوتردام المتهاوية التي احترقت في أوائل 2019، يقابلني نهر السِين الذي يهدر بغزل الصبيان وفساتين الصبايا، أتقدم نحو الفندق العتيق، أحادث موظف الاستقبال المتأنق: لديّ حجز، سألني: هذه العينان من أيّ بلد؟ يبدو أن الجميع في پاريس متأهّب للغزل، جاريته في تلطّفه وناولته جواز السفر، وضعه في جيبه ثم قال: أنتِ محتجزة هنا إلى الأبد! تغامز جميع موظفي الاستقبال من هذه الدرامية في الاستقبال، كان ذلك اليوم يصادف حفل MDL Beast في الرياض لذلك وجدتها فرصة لأفتح جوالي على بث الحفل وأضيف: انظر، جئتكم من هنا. وأعتقد أنني أستحق مكافأة من هيئة الترفيه على هذا التسويق

Seine

أن تنتمي …

لطالما آمنت أن الانتماء مختزل في فكرة التشابه، أن نتنمي لمن وما تشعر أنه يشهبك، يشبه عفوّيتك، وحقيقتك، وأحلامك،ذلك المستوى من التشابه الذي تشعر من خلاله أنك تتجزأ فيما تنتمي إليه، ثم تعود وتتماهى فيه، القدرة على الانفصال، والقدرة على الارتباط ، الاثنان معا هم الانتماء، وكل شيء في پاريس كان يجعلني أشعى بأنني أنتمي. سأتحدث في التدوينة اللاحقة عن (حكايا پاريس) أُناسها وأماكنها، وأحداثها، لكنني هنا لا أستطيع أن أتخلى عن رغبتي في الكتابة عما تفعله هذه المدينة بي، المدينة الوحيدة التي أنشغل في رحلة العودة بتصفح التقويم وتقرير موعد الرحلة القادمة إليها، التي يشغلني دائما تجاهها شعور: سأعود إليك!

أنتمي إلى النساء المتأنقات بلون شفاه أحمر، وأنتمي إلى الرجال المصطفّين على جوانب الطريق، كل واحد منهم يخبرني (صباحك حلو يا حلوة!) دون أن يبدو مرتبكا أو مهزوزا، بذات الثقة التي تقف عليها حوائط مونماغتخ Montmartre ، وبالذات الصرامة التي يتجلى فيها قوس النصر.

أنتمي إلى أشجار الشانزليزيه كما كانت بالضوء المحمّر كما يجب في ليلةِ كرسمس، إلى الأغنيات والراقصين، إلى كل شيء أوقفني ليسأل بلطف: من أين أنتِ؟ … أهلا بك! هذه هي الرحابة التي تميّز پاريس وليس الحب، هي مدينة الأهلاً بك! مدينة الابتسامات اللعوبة،والغزل الشّفيف، مدينة النّاس في أجمل تصوراتهم، النّاس …

7 thoughts on “ليالي الأُنسِ في پاريس

  1. Pingback: متفرقات 17: نسخة كوفيد-19، ماذا يفعل مصاصو الدماء أثناء الحجر؟ - فرزت

Comments are closed.