في آخر كتاب من حصة يناير القرائية، يطرح د.كارل ألاسكو (المعالج النفسي لأكثر من عشرين عاما) عدة أسئلة لتفهم بها نفسك واحتياجاتها الكتاب عنوانه (Emotional Bullshit – الهراء العاطفيّ) بعنوان جانبي: الوباء الخفيّ الذي يدمر علاقاتك وكيف توقفه؟!
الثلاثي السامّ:
تتلخّص المواقف السلبيّة التي نعاني منها كأشخاص وحتى كمنظمات وجهات تجاه أنفسنا أو تجاه بعضنا البعض بأنها وليدة لأحد أو جميع هذه المشاعر الأربعة: القلق، والغضب، والألم، والخوف. ورغم إن هذه المشاعر تبدو صرفة وصريحة وصارخة إلا أننا كبشر (مليئون بالهراء!) ننزع إلى الهروب من مواجهاتها من خلال: الانكار، والتضليل، واللوم ، وهذا هو الثلاثي السامّ الذي يأخذك إلى بقعة سوداء من الظلام العاطفي. إن هذا الثلاثي السامّ يعمل في تواطؤ معا، فإنكارنا للشعور يخلق فراغا نملؤه بالتضليل: أي محاولة تفسير وتأويل الأحداث بشكل مضلل، الأمر الذي يقودنا إلى إلقاء اللوم نحو طرف خارج عنا. دائما ما نعتقد أن على الآخرين أن يبذلوا مزيد عناية بشان العلاقة معنا، وهذا اللوم النابع من الفكرة المضللة بأنهم قادرون على ذلك، هذه الفكرة البديلة للحقيقة الساطعة التي ننكرها وهي: لقد أخطأنا في الاختيار من الأول! وهكذا يعمل هذا الثلاثي بشكل دؤوب لخلق دوامة (الاحتيال العاطفي) والتي لا يمكن أن تتخلص منها إلا بإشباع الحاجات الأساسية، وسأذكر طريقة اكتشافها-بحسب الكتاب- في آخر التدوينة.
” إليك الجزء الأسوء من الأمر: كلما كنا أكثر قربا من الطرف الآخر، زادت أهمية العلاقة وزاد عمقها، وأصبحت رغبتنا في الحفاظ على روابطنا مع هذا الشخص أكثر حدّة، بالتالي سوف يزداد لدينا الدافع لاستخدام الاحتيال العاطفي من أجل تجنّب الألم الناشيء عن الانفصال عنه. إليك الجزء الأكثر سوءًا: الخوف من الألم يمكن أن يكون أكثر قوة من الخوف ذاته”
البنية الداخليّة للاحتيال العاطفي:
إنّ أكبر معترك بشأن الاحتيال العاطفيّ هو كونه يحدث في المنطقة المغيّبة من وعينا، لأننا بارعون في مخادعة وتضليل أنفسنا، كما أن هذا الاحتيال يشبع عددا من نواقصنا لذلك نهرع إليه، نحن نستخدم الاحتيال العاطفي من أجل:
- تجنّب الصراع من خلال تجاهل التعامل معه
- تجنب معايشة المشاعر السلبية الأربعة: القلق، والغضب، والألم، والخوف
- تعظيم قدراتنا ( لا تبالغ! سأتدبر الأمر)
- خلق واقع خياليّ لتشتيت الانتباه
- جعل أنفسنا نبدو في حال أفضل مما نحن عليه فعلا.
- إلقاء المسؤولية على عاتق طرف آخر (لقد تجاهلتك لأنك قللت من احترامي) الحقيقة هي ( إنني أتجاهل مسؤوليتي في خطأ تقييمي باعتبارك شخص محترم)
الاحتيال العاطفي في فترة التعارف كيف تكتشفه؟
هناك 5 شروط أساسية يجب تقييم الطرف الآخر عليها دون تأثير من الثلاثي السام: لا تنكر، لا تضلل نفسك، لا تلوم، الأسئلة هي: الإتاحة الجسديّة، والقدرة الماليّة، والإتاحة العاطفيّة، والخلو من الإدمان (بكل أنواعه)، وتوافق القيم والأخلاق. هذه الشروط الخمسة لا تكون فاعلة إلا من خلال مطلب أساسي لا يمكن التنازل عنه وهو: القدرة على التواصل بنجاح!.
أوقف الاحتيال العاطفي:
كما أشرت في مستهل التدوينة فإن الطريقة الوحيدة لإيقاف الاحتيال العاطفي سواء ممارسته مع الآخرين أو قبوله منهم، يكون بإشباع الاحتياجات الأساسيّة ( لا .. لا نتكلم عن هرم ماسلو، بل شيء آخر!) المشكلة أن رحلتنا في اكتشاف احتياجاتنا الأساسية تبدو رحلة عسيرة، فكيف نفرق بين الاحتياج الأساس الحقيقي والشيء الذي ترغب فيه ولكن لا تحتاج إليه فعليَا؟ أو الشيء الذي ربما يكون مرغوبا لكنه مشبع بسموم الاحتيال العاطفي؟ … هذه ثلاثة عوامل يمكنك أن تضع فيها الاحتياج الذي تشعر به لتختبره، فالاحتياج الأساس الحقيقي:
- يصب في منفعتك على المدى البعيد ( ما تستمتع به في المدى القصير ليس احتياجا حقيقيا)
- ينمي شخصيتك ونزاهتك الشخصيّة
- يُخرج ذاتك العميقة والأصيلة، مثلا: أنت تشعر بالتعب وكل ما ترغب في فعله هو الجلوس بصمت لكنك عوضا عن ذلك تدفع نفسك للعب مع طفلك أوالتحدث مع شريكك أوالنظر في عيني محبوبك بدفء، يشعر الطرف المقابل تجاهك بالحميمية والقرب، المعنى في أن تكون فاعلا ونقيا، فتشعر أنت بالرضا مما ينمّي ويعمق علاقتكما، إن هذا التصرف أخرج ذاتك العميقة الأصيلة لتفصح عن نفسها ببهاء. هذا الإفصاح احتياج أصيل وعميق.
” نحن نولد في عالم سحريّ من الإدراكِ المضلّل، إن عقل الرضيع مصمم لامتصاص كميات هائلة من المعلومات الجديدة ومن أجل ذلك لايقوم عقل الرضيع بغربلة ما هو حقيقي وماهو غير ذلك، فيسهل عليه الخلط بين الخيال والحقيقية، … إن بعضا من هذا الإدراك المضلل يبقى معنا طوال حياتنا”
هذا ملخص سريع لأكثر ثلاثة فصول دسامة من الكتاب المكون من حوالي 260 صفحة ثريّة جدا، في اثني عشر فصلا، أشجّعكم كثيرا على قراءته، خاصة الفصول التي لم أتطرقها إليها هنا مثل: كيف يخلق الاحتيال العاطفي مشكلات خطيرة بين الآباء والأبناء، الاحتيال العاطفي في مكان العمل، اكتشاف احتياجاتك الأساسية، مواجهة النار: استخدام الصراع البنّاء في علاقاتك.