حول النسوية السعودية، حوار مع أذكى ولد في الحارة: راكان العسيري

إنّه شوال، سأضع الملامة في صياغة هذا الرد أولا على شهر شوال، ثانياَ: على زحمة خريص، ثالثا: على رقم 47 المادّ لسانه أمامي على الطبلون  -اسمه طبلون صحيح؟ أستخدم مسمى داشبورد، لكنني أودّ أن أظهر بأكثر قدر من الصلابة أمام السيّد عسيري، حتى لا يعتقد أنني من الـ (طعش) –  ألوم أيضا سائق الالتيما الذي أعتقد أنني أريد مسابقته لأنني رفعت يدي من أجل ترتيب غرّتي، يا عزيزي إنني لا أريد حتى أن أفوز على التيما ماهذا الفوز السهل؟ يمكنني أيضا أن أضم لحفلة الملامة هذه حفريات طريق العليا، وشنب أبو مالح النموذجي المحرّض على تحسين جودة الحياة إجمالا، لا تسألني كيف.

بينما أرجئ الاستماع إلى إليسا هذا الصباح، أستمع إلى فنجان وحلقة (راكان العسيري) .. التي هي حول أشياء تعبّر عن أشياء حول رأيه، يبدو لي فنجان مساحة جيدة لمفهوم الانكشاف، الضيف يتحدث بطريقة منكشفة عن ذاته، فيما يبدو للمستمعين أنها عن مواضيع عديدة، لكنها في الواقع عن ذات الضيف، تجربته ومنهجيته التحليلية -إن وجدت- ، تطرق راكان إلى حالة النسوية السعودية بالطريقة التي يحاول بها عيال الحارة تسوية الأمور فيما بينهم، وهي طريقة (عدم التسوية) أي الاكتفاء بالمناوشات العشوائية، والمصالحات المفاجئة، ونداءات “الأخ الأكبر” (ملعوبة!) ، والاكتفاء باستجداء العقل، لذلك أسميته هنا بأذكى ولد في الحارة، وهو الشخص الذي يعيد صياغة ذات أفكار الأشخاص المتهاوشين! لكن بطريقة تبدو مفهومة وممنطقة دون تخليص الفكرة من شوائب مغالطاتها المنطقية، وسأكون محددة أكثر بهذا الشأن فيما يأتي في هذه التدوينة، لكنني لي بالطويلة، لذلك أود أولا أن أحدد المربع الذي أقف عليه بينما أرد على راكان بثلاث نقاط:

الأولى: لا أعدّ نفسي نسوية، ذلك ما يزعج أصدقائي، لكنني لا أريد أن أتسمى بأي تصنيف ولا أريد أن أحمل لوازمه ولا تعريفاته ولا أنشغل بالتخلص من الدخيلين عليه، والرد على الردود فيه، ولا نظرياته، قائمة البلوك لدي في تويتر غالبها لنسويات رائعات أوفاشيين أو الأشخاص الذين لا يحبون جدة بشكل مقنع، لا أساوم على أيّ أمر متعلق بالحقوق، ولا أرى أن المرأة (في كل العالم) قد حققت الهدم اللازم للنظام الذكوري أو الأبوي المتجذر تاريخيا، الذي أعتقد أنه يجب أن يتحلل.

ثانيا: كل الرد هنا، سيكون على محتوى الحلقة المتعلق بالنسوية السعودية فقط..

ثالثا: كتبت قبل سنة تقريبا، أن على النسوية السعودية أن تنقد نفسها، نشوؤها لم يكن الوقت المناسب لذلك، أما الآن وقد بدأت في التشكل فأرى الوقت أكثر ملاءمة، لذلك أود أن أجد وقتا إضافيا لبدء حوار حول النسوية السعودية ونقدها، ليس مقامه هذا الرد الموجه للطرف المقابل، الرافض للنسوية والذي لا أجده طرفا ناقدا.

والآن هذه محاولة لتسوية الأمور فعليا، وفقا لحجج راكان عسيري أوجزها في نقاط:

  1. التضاد مع الدين

يمحور عسيري مشكلته مع النسوية السعودية بأنها متضادة مع الدين ودليله في ذلك “التغريدات” التي ترفض القسمة غير المتساوية في الميراث، يفوت على راكان أن النسوية السعودية باعتبارها نشاط شعبوي غير منظم فمن طبيعته أن يكون متعدد المنطلقات مهما اتحدت أو تقاربت الأهداف، جزء من المجتمع (نسوية أو غير نسوية) لديه مشاكله مع الدين إما جملة وتفصيلا، وإنما على وجه التأويل، أعلى هرم السلطة في السعودية مع تأكيده على الركيزة الدينية للسعودية إلا أنه يشير مرارا إلى حقب من سوء التأويل الديني (في شكلها الصحوي – الآن- وشكلها الإخونجي سابقا، وسيطول النقد باقي التشكلات الدينية) عسيري نفسه يبدو لديه مشكلة مع الدين عندما عرّض بوجود (نسوية إسلامية) ومشكلته مع الدين هنا في حال اعتباره منطلقا للنسوية، هي مشكلة تأويل لكن وفقا لسردية عسيري سيعتبرها مع مشكلة مع الدين، هل هذا يجعل راكان متضادا مع الدين؟ هل يجعله مع النسوية التي يرفضها في صف واحد؟ بحسب راكان نفسه: نعم.
أنا أدرك أن الكثير من المشكلات الاجتماعية والنظامية لديها منطلقات دينية، وأدرك وجود دعوات صريحة إما لإعادة التأويل أو لتحييد الدين، ورأيي الشخصي هو اسخدام الدين كقوة تحسين اجتماعية بدل استخدامه كقوة صراعية على سبيل التعامل مع الواقع وليس التفضيل، لكن ربط هذه دعوات تحييد الدين بالنسوية السعودية على وجه حصري أو حتى شامل وأخذ ذلك كقاعدة نقدية، هو أمر مجانب لأبسط الحقائق.

  • الدفاع عن المجتمع حسب الصورة التي يتخيلها

يعتقد راكان أن النسوية السعودية ضد المجتمع، وهنا يطرح حجة عجيبة وهي (المجتمع حسب الصورة التي أتخيلها) حسنا، مادمت تقر بأن المجتمع بصورته الحالية غير منصف للمرأة، ويتسبب في الكثير من أوجاعها، فما الذي تدافع عنه بالضبط؟ خيالك؟ هل النسوية السعودية أصبحت مسؤولة عن خيالات ذكورها؟

  • توهم المشكلة

أحد النقاط الذي تطرق إليها عسيري هي التعريض بأن النشاط النسوي السعودية يجعل فتيات (الطعش/المراهقات) يتوهمن المشكلات! تخيل معي هذا السيناريو: يتعرّض راكان في طفولته إلى تحرّش من أحد أقاربه الذي أقنعه أن هذا الفعل طبيعي، يصدقه راكان لأنه طفل ويثق بقريبه المتحرش لكنه في ذات الوقت يصاب بالكثير من الشوائب النفسية التي يكبتها نتيجة تلك الاعتداءات المتكررة، يكبر راكان ويتعرف على “التحرش” تحت مسمى اعتداء بفضل نشاط توعوي ما، يساعده ذلك على تحديد ما حدث له كمشكلة بدلا من كونه أمر طبيعي، وتحديد المعتدي عليه باعتباره مجرما بدلا عن كونه مجرد قريب لطيف، يطالب راكان نتيجة لهذا الوعي بوقف التحرش ويساعده وعيه على تخطي مشكلاته النفسية، ثم يستمع إلى شخص في بودكاست فنجان يقول له: (لقد جعلوك تتوهم المشكلة! لقد كنت طبيعيا،) هل يعي راكان أن الوعي بالمشكلة ليس إحداثا لها؟ أن الوعي بالمشكلة ليس توهما بها؟ تساعد النسوية السعودية الكثير من النساء اللاتي تعرضن للتعنيف الجنسي، الزواجي، التعنيف اللفظي، التمييز الوظيفي، التمميز في فرص التعليم، وغير ذلك على تحديد المشكلة والوعي بها لهدف معالجتها وحماية الأجيال اللاحقة من استمراء هذه الاعتداءات وتطبيعها. هذا ما يسميه راكان (توهم المشكلة) ، ثم يخلط ذلك بدعوات الهروب من البلد، شخصيا كتبتُ مطولا ضد هذه الدعوات الجنونية ولا أعتبر أن الترويج لقصص الهروب هو حل ناجع لمئات الآلاف من المتضررات والمتضررين، مع ذلك أرى أن ربطها بالنسوية لنسفها ربط جائر.

  • الحجة الدامغة: اوكي..مش دائما

رغم أن عسيري أكد في بداية الحلقة على رفضه للنسبية، لكنه يفرّ إليها سريعا كلما دار حمى النقاش وعجز عن بيان المنطق في مناوشته، يحاول أبو مالح أن يستكشف عن منهجية عسيري التحليلية في سرده للأمثلة، ترتيبه للنتائج، يعود ليجيبه بالنسبية، لكن كما يفعل ابن الحارة الذكي في تغيير الصياغة، ويسمي اللجوء إلى النسبية هذه المرة بـ: “أوكيه… مش دائما”

أختم هذا الرد بالتأكيد على أن نقد النسوية السعودية ضرورة من الضرورات، مرة عن مرة نشهد حوارات أكثر تطورا حولها، أود حقيقية أن نوجد مساحة حوارية أكثر نزاهة وأكثر اتساعا.