عشرون يوما من التدوين | 02: أيّها الطارئ

لم أنسَ،

هذه آخر ساعة في يوم مضطرب، كان لا ينبغي أن يُختم بأخبار إعصار جبّار، لكنه ذلك قد حدث بالفعل واعترض طريقي. نحن نتعاطى مع جبروت الكون وجماله بصيغٍ مختلفة، هذا يراها دلائل لعظمة ربّه أو غضبه، آخر يراها انغماس في الجزئية المحدود لبشريتنا العاجزة، انكسار لطفوليّة حضورنا البشري في وجودٌ بالغ وناضج من قبل أن نكون، يحدث ذلك في نفس كل هذه الأطياف، على أنها في مجملها تتحصّل عندي إلى شعور واحد تُنبئ به سطوة الطبيعة، وعبثيتها، فهي في جزء تمنحنا كبشر قوّة العلم وفهم قانون محدود وفي الجزء الذي يليه تضرب بنا وبعلومنا وقوانينا عرض الحائط مجازا، عرض المحيط حقيقة، فتصبح ظانا أنك محور الخلق وتُمسي رقما ضمن آلاف الأرقام من الضحايا العشوائيين لكوارثها، ذلك الشعور الذي تنبئني إياه هذه السطوة: أنني كائن طارئ!

كأنّك في عزّ اختيالك الوجودي الواعي، تصطدم بحقيقة مُحرجة تخبرك:

” أيّها الطارئ، الموجودُ بعد تشكيل النصّ، الأقل أهميّة من نقطة، الأهمّ قليلا من فاصلة، المغلوب على قوانينه كالهمزة، السّلس كالألف الموصولة ، المعقّد كالمقصورة، هالو يا صديق! أنت ذرّة في الكون، أصغر من جزُيء في الزمن، أنتَ رمزيّ وضئيل وغاية في العبط!،

أيّها الطاريء، وأنتَ مكترثٌ للغاية لكيس النايلون من أجل حماية بيئتك، تذكّر أن تلك البيئة ستكون عقودا من بعدك، وأنه من المستحسن أن تبحث عن هواية أكثر تواضعا من حماية الكون، ما رأيك في الرّسم مثلا؟ “

بالنسبة لمن يؤمن بأن الإنسان مركزيّ، وأن الكون إنما كان ليُسخّر له، فأنا آسفة لجرح مشاعرك، بالنسبة للذين يؤمنون أن تلك الحالة الطارئة هي مركزيّة الإنسان نفسه، فأعتقد أننا نفهم أن هذه ليس فكرة حزينة ولا جارحة، وليست فكرة عاجزة بالتأكيد، كونك تتمركز حولة حالة طارئة ذلك وعلى نحو غريب يشعرني بلا محدودية القوّة والغاية والطريق.