عندما أردت كتابة العنوان وترميزه بكلمة (الجزء الثاني) لم أستطع فعل ذلك، أعني لم أستطع معايشة شعور اعتبار الكتابة كأشياء متجزئة في سلسلة تدوينات تنتهي بحلقة أخيرة، ليس ذاك ما تفعل الكتابة بي،ففوق أنني ألوذ بها وإليها هي تعيد تخلّقي في كل مرة، وأنا أؤمن أن تخلقي لا نهائي، كلام شاعريّ صحيح؟ الكتابة حالة وجودية وشاعرية أيضا، ماذا قالت مايا؟
يقول جانيت لويلاك في “خمس عشرة حقيقة عن قلب الكاتب” :
“الحقيقة الأولى: ليس لدينا خيار آخر! …القصص تحترق وتتوسل الخلاص“
وقد كتبت مرة أننا نقع تحت رهان الأبطال في القصص التي نكتبها، ذلك ما لا يتصوره كثيرون، نحن نكتب دون أن نعرف كيف سيكون شكل نهاية الأحداث، عندما تضيق الأحداث ضد الشخصية التي نحبها ونحن نكتبها، نحزن..نحزن تماما مثل أي قاريء لم يعرف القصة مسبقا، ربما أكثر … لأننا خلقنا الشخصية والأحداث، ظننا أننا نمسك بزمام الأمور، لكنها فلتت. ومثل أي فعل إدمانيّ، يمكن للكتابة أن تكون إدمانا، تحترق في رأسك الكلمات والمطالع إن لم تنقذها، تتمرد عليك الشخصيات وتختار مصيرها، وأنت تكتب..تكتب.. لا تملك إلا أن تكتب حتى الورقة البيضاء نراها استفزازا لأن ننفث فيها روح قصة، كل الفواتير ومناديل المقاهي والمطاعم في حقيبة يدي تحمل موجا أزرقا خلفها، ونصوصا شريدة، كان أبطالي يستريحون على “لوقو” المقهى، يتنزهون على رقم الضريبة، لا شيء على المسرح الذي أظهرتهم عليه فجأة يشبه وجودهم الطاريء هذا. فيما يعتبره الآخرون حظا وافرًا أو موهبة، نحن – مدمنو الكتابة- نراه لعنة سليطة! هل جربنا مرّة تجاهل قصة أرادت أن توجد لأن الوقت غير ملائم للكتابة؟ نعم .. ماذا حدث؟ ستضرب الأحداث جدار رأسك طوال اليوم، ليس على هيئة صداع، بل ثورة! حتى الشخصيات الهامشية التي تختلقها لتبرير الحبكة أو لتمرير اقتباس تصيغه ليصلح للقاريء أن يلتقط له صورة، حتى هي تثور!
للكتابة سطوة! وحقيقتنا الأولى: ليس لدينا خيارٌ آخر.
لديّ دفتر يوميّات، ودفتر أروع منه للحديث مع نفسي وترتيب أفكاري، عندما أقع في معضلة ما أكتب في هذا الدفتر ما أشعر به، ما أفكر فيه، وأحدد معالم الطريق، هكذا أنسج واقعي، أكتب عن أصدقائي، في الواقع يعود أصدقائي إلى دفاتري لتذكّر الأحداث التي تخصّهم، كان أحد منهم يوما يتساءل: لا أذكر آخر مرة خرجت فيها من هذه المدينة لمدة طويلة؟ قلت له: انتظر .. وعرفنا الإجابة من مذكراتي! أن يغيب أصدقائي النابضون في دمي مطولا هذا حدث يفور له قلمي بالطبع! وذلك مجرد مثال. لدي دفتر للقوانين.. القرارات التي أتخذتها وألزمت نفسي بها، لدي قواعد في التعامل مع نفسي، مع زملائي، مع عائلتي ومع الذين لفتوا نظري يوما، لدي سلسلة في العلاقات اسمها: (المانفستو الأخير بشأن ***) ، وهذه السلسلة أكتب فيها القرار النهائي تجاه الشخص الذي – ربما- أعجبني، يساعدني ذلك على الخلوص من العلاقات السامة مثلا أو الأشخاص المركبّين والمعقّدين لأن “ماعاد بدري“… زخم الشخصيات هذا لا يقابله اسم واحد، لن تجد اسما واحد في كل مذكراتي، أحب تفريغ مذكراتي من الأسماء، ليس طلبا للخصوصية فهذا لا يشغلني، لكن ” الأسامي كلام… شو خصّ الكلام؟ عينينا هنّي أسامينا” أحب لذاكرتي المكتوبة أن تستغرق في الحدث لا في الشخصية، وأؤمن أن هذه هي الطريقة المثلى في الاستفادة من تجارب الحياة، علينا أن نصغي إليها ماذا تريد أن تقول، وليس على لسان من!