مـــــــــلاك فــــــــاسد

*

لفرط ما نصحنا لهم ؛ ظنوا أننا ملائكة ؛ ولكي لا يفسدوا ؛ كان يجب أن نكون ملائكة ..

لم نطق ذلك ؛ فـ فسدنا بعيداً عنهم ؛ كي يبقوا صالحين أمامنا ..!

 

لن يفهم أحد ما أقول ؛ إلا أولئك الذين عاشوا كحكماء وسط الكثير من الدهماء ؛ عاشوا كمنقذين وسط بحر يموج بأحياءٍ أموات يستصرخون بغباء دون أن يكلفوا أنفسهم عناء تعلم السباحة.

وفي كل مرة نصل فيها إلى الشاطئ مُحمّلين بالكثير من الأشخاص المستصرخين ؛ كنا – في نفس اللحظة- نعود نحو أمواج البحر لننقذ المزيد ؛ ربما غرّنا كثرة التشجيع والتصفيق ؛ فقلة قليلة فقط يحصلون على شرف البطولة وأهازيجها؛ فلماذا لا يكونون ( نحن ) ؟

 

كنا نتصرف بغباء مماثل لغباء الغرقى !!

 

لا يهم الماضي ؛ فقد فسدتُ تماماً الآن؛ وعليّ أن أتمتع بهذا النمط من الحياة ؛ إلى حين

 

*

 

كتبَ هذه الأسطر ارتجالاً في قصاصة ورق كانت مرتمية بجانب مكتبه ؛ بين ركام رسائل الاستصراخ المملة؛ رغم ما توحيه الكلمات من تأزّم نفسي ما ؛ إلا أنه كان في قمة الانتشاء ؛ فقد بدأ يشعر أنه يعيش كبشر ؛ لفرط نشوته ؛ تناول تلك الرسائل التي تحمل هموم المئات ومشاكلهم النازفة وبدم بارد مررها على آلة تقطيع الأوراق وتشريحها. كان يضحك عليهم وهم يُمزَّقُون ؛ نظر إلى جواله وذات الرسائل الغبية تملأ وارده ؛ وبنفس برودة دمه المفاجئة أغلق جواله ؛ فتحه وأدخل رقماً خاطئاً ثلاث مرات ليفسد شريحته بلذة عجيبة؛ ويضحك لأنه تأكد تماماً أنه أصبح سيئاً أكثر مما مضى ؛ وأنه لم يعد بطلاً ؛ ولن يسمع المزيد من التشجيع والتصفيق.

 

لم يعد التصفيق مُجدياً له على أية حال ؛ كما أن النشوة التي كانت تنتابه عندما يصغي لعدة ساعات لمعاناة امرأة ثرثارة ؛ تلك النشوة التي كانت تقول له: لا أحد يفعلها غيرك! ؛ لم تعد مغرية له على الإطلاق!

 

لقد ضل الطريق إلى نفسه ؛ بينما كان يسير إلى أنفس الغارقين ؛ كان عليه أن يرتد عن طريقه بما أنهم لم يعودوا موجودين الآن في حياته ؛ شعر فقط ببعض الألم لأنه لم يتمكن من الوصول إلى نفسه من أول مرة ؛ وأن رؤية ذاته تتلألأ كبدر ترقص حوله أنجم متعددة الأحجام ؛ وتومض بعشوائية مدهشة ممتعة ؛ كان مُكلفاً بعض الشيء ؛ ككُلفة أن يكون بشراً مهملاً فاسداً في أعين الذين مزّقهم ؛ وغيّر حياتهم للأفضل لهم.

 

قال لنفسه:

 

” لا يهم الآن ؛ أنني فاسد ؛ أو أنني متمرد أو غير مبالٍ أو أي شيء مما يقولون ..

كل ما يهم أنني أشعر أنني بشر ؛ أشعر بالسعادة تفيض من نبع فوّار من داخلي ؛ ومن كل مكان يحوطني ؛ أحسُّ بالسعادة تشبك أصابعها العشرة في كفي؛ وتلعب معي ؛ تغني لي ؛ وأهزّ رأسي متناغماً مع صوتها ؛ ..وأصفق لنفسي

،

،

 

إنه أكثر الأعمال بطولة في حياتي … ”

 

 

 

 

 

– انتهى –

 


 

15 thoughts on “مـــــــــلاك فــــــــاسد

  1. مثقف عربي / مرحبا

    وربما ما صُدِّر رغماً عنه! أو ربما فوق طاقته!

    وربما …

    شكرا لك : )

  2. الله الله الله ..

    ” كل ما يهم أنني أشعر أنني بشر ”

    راودتني منذ أيام فكرة ” البشرية ” بكل مافيها من تناقضات ..

    وكيف أننا بإرادتنا / بدونها .. نتحول إلى شيء يشبه التلميع أو حتى التذويب < المصطلحات لك عليها شوي

    أحياناً نصدق أننا ” نقطة بياض ” وسط معمعة سوداء ..

    وأحياناً نؤكد لنا مراراً وتكراراً أننا ” السواد الوحيد ” في عالم نقيّ ..

    أشعر أني سأزور هذه الصفحة بالذات .. كثيراً ..

    شكراً منال على هذه القصة .. شكراً ..

  3. منيرة …

    كنت أعرف أنها هي – بالذات – .. ستلامسك …

  4. المعنى رائع .. أن يجد نفسه أوّلا .. أن يعرف من هو .. ليعرف كيف يعطي، وماذا يعطي لمن ..

    سَلِم قلمك..

  5. سبحان الله قبل أن أقرأ نصك للتو أضفت شبيها للفكرة في بعض جوانبها ..
    أهو توارد أفكار … أما توارد ظروف ..!

    “فسدنا بعيداً عنهم ؛ كي يبقوا صالحين أمامنا ”

    فسدنا نعم .. لكنهم لم يبقوا صالحين للأسف …

  6. فقط … ابتلعت بعض الريق الذي منعته الغصه من النزول ..
    مؤلم هذا الفعل …
    :
    حملناهم أو حملنا أنفسنا فوق طاقتها من هذا المسمى ” طهر ”
    أوَ ظلمناهم أو ظُلمنا نحن من نظرات الغرقى المستجدين للحياة!!
    :
    لماذا يجب و ” يجب ” أن يكون المنقذ ملاكا !!
    وكل عبارات الألم … تجتمع ما أن تنظر إليهم وهم ينظرون إليك بإكبار ..
    آآآآآخ كم تشعر بالخزي والكره العميق للذات
    وأنت أكثر العارفين بمايعتمر صدرك من نقائض …
    :
    هم بشششششر … بششششر
    دعوهم يتلذذون ببعض بشرية
    ………………………………………
    كل كلمة أشعرها .. أول سطرين كان لها وقع أليم على نفسي
    :
    منالـ قولها للعالم … هم ب ش ر

  7. لـ ربما أعتمت شفافيته تصرفات الآخرين..

    لم يعبأ له أحد ..

    هو .. كرّس وقته لـ يكون البطل .. والمنقذ

    آن الأوان لـ ينقذ شفافيته من عتمة جحودهم !!

    أحببت قلمكِ .. تقبلي عناق حبري له هنا ..

    أختك في الله ..

  8. و حملها الانسان !!
    ————————
    ” يا صاحب الأثقال .. خفف منها شوي .. ذا حمل ما ينشال !! ”
    (شاعر حضرمي)

  9. يا حامل الأثقال خففها شوي ذا حمل مـا ينشـال
    عاد النجد قدامه حسر وجبال يـا مصعـب منالـه

Comments are closed.