“أنا مشغول”…إدمان الحالة الطارئة!

لماذا يحب كثير من الأشخاص إحاطة أنفسهم بهالة “أنا مشغول” عندما تسأل: كيف العمل معك؟ يندر أن تحصل على إجابة: “تمام.. رائع، أنا مبسوط” يبدو قالب الإجابة للسؤال هذا هو: “اوف! مشغول.. ضغط والله” لا تقلق على صديقك عندما يجيبك بهذه الإجابة فغالبا هو يقولها مدفوعا بالأدرينالين لا الحقيقة، في كتاب (خياراتٌ خمسة: طريق الانتاجيّة الاستثنائية) يتحدث مؤلفو الكتاب عن (إدمان الحالة الطارئة)

روعةُ الأدرينالين:

إذا أردت أن أصف المادة الكيميائية الحميمة في أدمغتنا “الأدرينالين” وفاعليتها لشخص غير متخصص سأقول هو: الشعور العارم باللذّة الفائقة في لحظة خاطفة!

هذا الوصف يجمع لك ثلاث امتيازات تتجلى في هذا الشعور وهي: التدفق الشامل، الحِدّة ، السرعة في الإستثارة. والآن: من منّا لا يرد الشعور بهذه الروعة! بالضبط .. لذلك يقف الأدرينالين خلف عاداتنا الإدمانية التي ننتقل من فعلها بوعي إلى فعلها وفق نمط متكرر يكاد يفلت من سيطرتنا. الخدعة هنا أن هذه اللعبة الكيميمائية الممتعة مرتبطة في تطورنا بشعورنا بالخطر، فهي السبب الأصيل في أننا نهرع لإنقاذ أنفسنا بشجاعة في مواقف لا نتصور أننا سنصمد فيها. لكن ما علاقة ذلك بالعمل؟ إن روعة الشعور بالخطر – كما يقول الكتاب – تدفعنا إلى “تزييف شعور الحالة الطارئة” لإثارة الأدرينالين. ذلك ما يجعلنا متعطشين للشعور بأننا مشغولون بشكل دائم ومستمر، مضغوطون، وأن مهامنا متكدسة وعلينا أن ننجزها .. الآن وفورا، يريد أن يقنعك دماغك المدمن أن العمل “حالة طارئة!” وأي سؤال عنه هو فرصة ذهبية لإثارة ذلك الشعوة العارم باللذة الفائقة في لحظة خاطفة!

إدمان الحالة الطارئة وتباطؤ الانتاجيّة:

يؤثر إدمان الحالة الطارئة على الانتاجيّة سلبا من ناحية أن هذه الاستثارة لها طابع الإيجاز، بالتالي ستظل تلاحقك المهام المفتتة الصغيرة التي تشعرك بأنها طارئة لكنها ليست ذات أهمية حقيقة في مسار عملك، كما أنك تنجزها بسرعة مخلة بالجودة لأنك تطارد مهمة أخرى جديدة ومختلفة وموجزة أيضا، يصنّف الكتاب هذه المهام الإيجازية بأنها ضمن فئتين : المهام المشتتة، والمهام المُهدرة.

المهام المشتِّتة مثل: المقاطعات غير الضروية في بيئة العمل، كتابة تقارير غير مهمة، ترتيب اجتماعات عشوائية، الاهتمام المبالغ فيه بأمور زملائك الهامشية، الاستغراق في الإيميلات غير المهمة، الاتصالات ..وغيرها، وهي المهام التي لها طابع مهام عملك وتبدو مؤثرة ولها عائد محدود لكنها في الحقيقة ليست ذات قيمة في انتاجيتك، لذلك ستحتاج إلى مزيد نباهة وإرادة لتمحيصها من بين مهامك الأخرى اللازمة.

المهام المُهدرة هي التي يكون عائدها صفرًا على انتاجيتك وعملك بشكل صريح، مثل: الإفراط في الاسترخاء، تجنّب الأنشطة، هدر الطاقة في نميمة الزملاء، ونحوها.

إن إشكالية الانغماس في هذين الفئتين من المهام أنها محفّزة للأدرينالين، وتساعدك على مزيد من التأجيل للأعمال الحقيقية ذات القيمة المضافة مما يغذّي كونك في “حالة طارئة” حيث دائما هناك المزيد من الأعمال التي تنتظرك لانجازها، لذلك ستستغرق في المزيد من المهام المشتتة والمهام المُهدرة، هذه هي الجرعات التخديرية اللذيذة.

*we are a culture of people who’ve bought into the idea that of we stay busy enough, the truth of our lives won’t catch up with us*

هل من الخطأ أن تكون مشغولا؟!

بالطبع لا! إن الأعمال الواقعة في فئة أعمال “الانتاجيّة الاستثنائية” من الممكن أن تبقيك مشغولا جدًا، مثل: ممارسة العمل ذو الأثر المرتفع على أهدافك وأهداف مؤسستك، التفكير الخلاق ، التخطيط، الأعمال ذات الصبغة الإبداعية، المبادرة، الأعمال الوقائية (الاستباقية). بناء العلاقات، التعلّم والتطوير. تمتاز طبيعة الأعمال في هذه الفئة بأنها مهمة لكنها غير طارئة، هذا يعني أنك تكون في حالة تمتلك فيها زمام أمورك و”تختار” أن تفعل الأشياء التي تصبّ مباشرة في أهدافك بدل أن تبقى “مستجيبا” للحالة الطارئة، العائد المتوقع لهذا الأداء غير العادي هو الحصول على الانجاز وتحقيق النتائج، إنّ الفرق الجوهري بين أعمال هذه الفئة وأعمال الفئات الأخرى، أنك هنا تسعى لعمل ما تود فعله تماما، بينما في حالة الأعمال المشتتة والمهدرة أنت تترك الأعمال تأتي إليك ويقتصر دورك على الاستجابة لها وتغذية الأدرينالين المتدفق. ماذا عن الأعمال (المهمة والطارئة؟) تخبرك عدد من تكنيكات إدارة الوقت أن تمنح هذه الفئة أولوية ، ليس الحال هكذا على الدوام! فالانغماس في الأعمال المهمة والطارئة سيجعلك تنجز المطلوب فحسب، بمعنى ستكون انتاجيتك وفق المتوقع والمعتاد، لكننا نتحدث هنا عن الانتاجية الاستثنائية

فلو أردنا حساب العائد من كونك مشغولا بكل فئة فسنحصل على ما يلي:

Necessity = Break Even
Distraction = Negative Return
! Waste = Zero Return
Extraordinary Productivity = Exponential Return

الأعمال الضروريّة = عائد معادِل
الأعمال المشتتة = عائد سلبي (يوجد عائد لكنه بلا قيمة إضافية)
الأعمال المهدرة = بلا عائد
الانتاجية الاستثنائيّة = عائد مضاعف

الخلاصة: يمكنك دائمًا أن تستفيد من الشعور بلذة الأدرينالين عندما (تختار) أن تستفزه بالأعمال الإبداعية وتحليل المشكلات وتخليق الحلول عوضا عن الركون إلى استفزازه بتوهّم الحالة الطارئة.