تحضر مكانا مهيّجا للحس فأول ما يخطر لك أن تستحضر طيف حبيب تظن كل الظن أن هذا المكان بقشعريرته يلائمكما معا ،أو إن كنت دراميا ستفكّر كيف أن ذاكرتك تخلو حتى من طيف ، ليبقى سؤال رفيق المكان معلقا: مَن؟
ينثر الليل سحره أمامك أو يمدّ إليك الصباح سببا للفرح وسببين ، فتقطعُ اللحظة لتخاطر بالك: من يليق به هذا الزمن معك؟ ثم تسترسل في كتابة رسالة نصيّة إلى أحدهم – إن كنت محظوظا في ظنّك– .
تسمع لحنا يعبر روحك ليعمّدها ، فتقطع على نفسك لحظة الطرب للتتنهّد وتخاطرُ بالك: أيّ حبيب يشابهه هذا اللحن؟… فتسترسلُ في انقطاعك … عنك!
والحكاية تتكرر في أمكنة وأزمنة وأمزجه عديدة ، ومن حسن حظك أن طيف الرفاق حولك يجعلك تجد إجابة دائمة لهذه الأسئلة وتعيش لذتها ، في نفس الوقت .. من سوء حظك أنّك لم تدرك بعد كيف تتصّل بكل هذا الوهج الوجودي وحدك، لم تدرك بعد كيف تسمح للمكان أن يهيّج حسك بالكامل ،و للزمان أن يلج روحك بالكامل ، وللمزاج أن يُطربك بالكامل، دون أن تخلق سؤالاً قلقاً: مَن يشاركك؟
والشعراء من حولك، وذاكرتك المزدهرة بأجمل الرفاق ، تجعل ذلك القلق مطبخا لذيذا لكنه لا يُجديك أبداً عندما تكتشف متأخرا أنك لم تجرب أن تتصّل بالمعنى وحدك، بوجودك وحدك ، دون التوسّل بجسد إضافيّ ، بحسّ إضافي … بذاكرة إضافية.
وحين تصيبك خيبة ، وتخسر إجابة : من يشاركك ، ولا يُسعفك البال بطيفِ أحدهم ، تنشر أحزانك البليدة وتندب كنائحة مستأجرة لم توفّ أجرها قيمة وجودك، دون أن تدرك أن ليس في الأمر أيّة مشكلة! وأنك دائما هنا إجابتك الحاضرة ، أنك أنت إجابتك التي تتجاهلها ، أنت الإجابة التي أنقصتها بنفسك قدر الكفاية ، فلم يعد يكفيك حضورك لتنتشي متفردا بوجودك، وأنك إنما خلقت “عادة الاعتياد” على حضور إضافي.
للأصدقاء حضرة يُسكر قليلها وكثيرها ، وللوجد أن يغني طائفا بهم ” شربتُ الرّاح من راحته … “ ، على ألا يكون زر “المشاركة” أقرب إليك من حبل وريد روحك، على أن يكون سؤال البال عنهم مبهجا لا قَلِقا … وأن تكون الإجابة بهم ترفا أو حاجة ليس اضطرارا يفصلك عن ذاتك ، عن معناك الخاصّ.
وهذا كله– حقيقة!- ليس وصولا نهائيا إليك ، ليس تفسيرا باردا لكونك موجود ، فربّما بعد التخلّص من كل شيء لتتشرب معنى الوجود مباشرة ستجده واقفا ليصفع أملك الأبله ، لا تكن ورديّا إذا أردت أن تجرب (وهل تملك ألا تجرّب؟) ،
إنما هذا كله – حقيقةً – من الممكن جدا أن يحميك أو يسلّيك فيما لو صُفعت.