لم أكن متصالحة مع السينما المصرية بقدر ما أنا مع مسرح مصر، ولم أفكر مرة بمشاهدة فيلم مصري كامل رغم توصيات النقّاد ، لأنني أعتقد أن توصية صديق بذائقة مقاربة لما أفضّله أو مميزة أكثر إفادة.
فيلم [آسف على الازعاج] 2008 ، يمثل بالنسبة لي مصافحة كريمة جداً مع السينما المصرية ، وسعدت لأن مشاهدتي (الكاملة) الأولى كانت (صدمة) جماليةً بحق.
تسير المشاهد بتسلسل يكاد يكون بديهياً وإذا كنتَ في مزاج (متلذذ) فستكون محظوظاً لأنك ستقرأ هذه البدهيات بطريقة لاقطة وذكية لأن المشاهد متسارعة لكن بوتيرة هادئة درامياً تمنحك فرصة للتقليب والتأمل!، أب طيّار ناجح في عمله صديق ومُلهم لابنه مهندس الطيران (حسن صلاح الدين) ، فتاة تمر في طريق الابن المهندس تأخذه أو يأخذها هو إلى عالمه الجادّ الهادف لتقديم مشروع هندسي للطيران يتوقع أنه سيغيّر به طيران واقتصاد بلده ، هذا الحلم يظهر للمشاهد في صورة رسائل يبعثها هذا الشاب المصري الذي يشبه أي شاب عربي محبط يتعلق بأمل دعم حكومته ، لذا هو يرسل هذه الرسائل مباشرة إلى (سيادة رئيس الدولة!)، وهناك أمّ تبدو قَلقه على ابنها أكثر من اللازم! هكذا يكون الفلم (مسترخياً) في دراميته يجر المشاهد لنفس حالة الارتخاء ربما عند الوصول إلى ثلثي الفيلم سيبدأ المشاهد بمحادثة من حوله أو مطالعة هاتفه واثقاً أن لا شيء مثير يبدو أن سيحدث أو (يفوته) ، عند هذه النقطة ومع الاقتراب من ثلث الفلم الأخير تقريباً وبتمهيد لا يتجاوز المشهد الواحد يتلقى المشاهد الصدمة الدرامية الرئيسية المتعلقة بالابن (البطل) التي ستجعل كل ما بدا بديهياً سابقاً ذا مغزى تراجيدي مؤلم للغاية ، لا بد أن دمعاتك ستنصدم هي أيضاً وتعبّر عن (حالتها!) ، ليبدأ المشاهد في حالة من تفكيك كل المشاهد الماضية وتحليل أين الحقيقة من الوهم فيها! أي لذة سينمائية هذه التي تُنشر على كل حواس المشاهد في الثلث الأخير فقط من الفيلم. الدهشة المركزة والكثيفة هذه هي التي تجعلني أنصحكم بمشاهدته الآن.
لايخلو الفيلم من لمسات (أحمد حلمي) الكوميدية اعتبرها بعض النقّاد عيباً في الفيلم وعلى العكس تماماً بالنسبة لي حققت هذه الكوميدية توازناً خلاباً هو الذي لم يجعل الفيلم تراجيدياً كئيباً ومشاهدته مزعجة، اللغة الحوارية بين الأب الطيار وابنه مهندس الطيران ، بين الابن و صديقته ، بين الأبن و “شلة العميان” في مقهى؛ غنية بالقيّم ومُصاغة ومؤدّاة بكثير من الحرفية ،فقط تحتاج لمشاهد يلتقط بذكاء إلمحات هذه الحوارات وتشكيلها وفق خبراته ليستلهم فكرة أو حساً يثريه.
التراكات، أو صوتيات الفلم أيضاً تداخلت بذكاء مع مشاهد الفلم وحواراته ، عبر أغنيات أجنبية يستمع إليها الابن، حاولوا أن ترجعوا لقصائد هذه الأغنيات –إن لم تعرفوها- لتقدّروا الذّكاء المتدفق الذي صُنع به هذا الفيلم ، مثلاً في جزء صراع الابن المرير مع خيالاته ، وبينما خيال ابيه يحدّثه يظهر الابن مستمعاً لأغنية لا يبدو منها سوى جزئيات تقول:
…. always
I really feel
That I’m losing my best friend
I can’t believe
This could be the end
It looks as though you’re letting go
And if it’s real…
Well I don’t want to know
:”(
لتتلقوا جرعة من الدهشة السمعية أيضاً،وجرعات أخرى في حال ربطتم بين جميع أبيات Don’t Speak والمشهد.
:”(
أعرف أن الفيلم لا يزال يبدو غامضاً –لمن لم يشاهده- لكنني أحترم دهشته التي لا أريد (تبريدها) أمام من لم يشاهده، أخيراً: ضعوه على قائمة أفلامكم : يُشاهد قريباً : )